شروط لا إله إلا الله

الكتاب: شروط لا إله إلا الله
المؤلف: د عواد بن عبد الله المعتق
الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
الطبعة: السنة السادسة والعشرون - العددان (101، 102) - 1414/1415هـ
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

شُرُوط
"لَا إِله إِلا الله "
إعداد
الدكتور/ عواد الْمُعْتق
الْمُقدمَة
الْحَمد لله وَحده وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من لَا نَبِي بعده.
أما بعد: فَإِنَّهُ لَا يخفى على من لَهُ أدنى علم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا للشَّهَادَة من أهمية، إِذْ هِيَ دَعْوَة الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 1، وَهِي مِفْتَاح الْإِسْلَام، وَبِاللَّهِ ثمَّ بهَا يعْصم الدَّم وَالْمَال، وبتحقيقها تحصل النجَاة من النَّار.
وَحَيْثُ إِن الْبَعْض قد يفهم أَن مُجَرّد النُّطْق بهَا، أَو النُّطْق وَالْإِقْرَار بِدُونِ عمل بمقتضاها كافٍ فِي الْحُصُول على حَقِيقَة الْإِيمَان. أَو يقصر فِي بعض شُرُوطهَا ظَانّا أَن ذَلِك لَا يُؤثر فِي تحقيقها.
لذا أَحْبَبْت أَن أكتب لمحة موجزة حول هَذِه الشُّرُوط تتلخص فِيمَا يَلِي:
تمهيد: ويتضمن مَا يَلِي:
أَولا: معنى لَا إِلَه إِلَّا الله، وتحقيقها.
ثَانِيًا: مَتى ينْتَفع الْإِنْسَان بقولِهَا.
ثَالِثا: أَرْكَانهَا.
ثمَّ شُرُوطهَا: وَفِيه:
تمهيد: فِي تَعْرِيف الشَّرْط.
الشَّرْط الأول: الْعلم.
الشَّرْط الثَّانِي: الْيَقِين.
الشَّرْط الثَّالِث: الْإِخْلَاص.
الشَّرْط الرَّابِع: الصدْق.
__________
1 - آيَة 25 الْأَنْبِيَاء.

(1/411)


الشَّرْط الْخَامِس: الْمحبَّة.
الشَّرْط السَّادِس: الانقياد.
الشَّرْط السَّابِع: الْقبُول.
ثمَّ ختمت الْبَحْث بِذكر بعض النتائج. وأخيراً أسأله تَعَالَى أَن يتَقَبَّل صَوَابه ويتجاوز عَن خطئه إِنَّه سميع مُجيب، وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم.

(1/412)


تمهيد
يحسن قبل أَن نبين شُرُوط هَذِه الْكَلِمَة - أَن نشِير إِلَى مَعْنَاهَا، وتحقيقها وَمَتى ينْتَفع الْإِنْسَان بقولِهَا، وأركانها. ثمَّ شُرُوطهَا.
أَولا: مَعْنَاهَا وتحقيقها:
أما مَعْنَاهَا: فَإِن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله: هُوَ: لَا معبود بِحَق إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ.
فتضمنت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة أَن مَا سوى الله من سَائِر المعبودات لَيْسَ بإله حق بل إِنَّه بَاطِل. وَأَن الْإِلَه الْحق إِنَّمَا هُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ - كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 1 مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 2.
وَنَحْوهمَا من الْآيَات وَمَا صَحَّ من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا بَيَان حَقِيقَة هَذِه الْكَلِمَة من حَيْثُ مدلولها ومقتضاها.
وَمِمَّا يشْهد لهَذَا الْمَعْنى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَ لكفار قُرَيْش "قُولُوا
__________
1 - آيَة 25 الْأَنْبِيَاء.
2 - آيَة 36 سُورَة النَّحْل.

(1/412)


لَا إِلَه إِلَّا الله " قَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 1 ففهموا من هَذِه الْكَلِمَة أَنَّهَا تبطل عبَادَة الْأَصْنَام كلهَا وتحصر الْعِبَادَة لله وَحده. وَمثل ذَلِك قوم هود لما دعاهم هود عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قَول لَا الله إِلَّا الله قَالُوا: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} 2 وَهَذَا هُوَ معنى لَا إِلَه إِلَّا الله.
فَتبين بِهَذَا أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله ومقتضاها: إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة وَترك عبَادَة مَا سواهُ، وَأَن معنى الْإِلَه هُوَ المألوه: أَي المعبود فَإِذا قَالَ العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله: فقد أعلن وجوب إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة وَبطلَان عبَادَة مَا سواهُ من الْأَصْنَام والقبور والأولياء وَغَيرهم.
وَبِهَذَا يبطل: مَا يَعْتَقِدهُ عباد الْقُبُور الْيَوْم وأشباههم من أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله: هُوَ الْإِقْرَار بِوُجُود الله، أَو أَنه هُوَ الْخَالِق الْقَادِر على الاختراع وَأَشْبَاه ذَلِك. أَو أَن مَعْنَاهَا: لَا حاكميه إِلَّا لله، ويظنون أَن من اعْتقد ذَلِك وَفسّر بِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله، فقد حقق التَّوْحِيد الْمُطلق، وَلَو فعل مَا فعل من عبَادَة غير الله كالاعتقاد بالأموات، والتقرب إِلَيْهِم بالذبائح وَالنُّذُور وَالطّواف بقبورهم والتبرك بتربهم.
وَمَا شعر هَؤُلَاءِ أَن كفار الْعَرَب يشاركونهم فِي هَذَا الِاعْتِقَاد ويقرون بِأَن الله هُوَ الْخَالِق الْقَادِر على الاختراع. قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 3 وَأَنَّهُمْ مَا عبدُوا غَيره إِلَّا لزعمهم أَنهم يقربونهم إِلَى الله زلفى. كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُم: {… مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى …} 4. لَا أَنهم يخلقون وَيُرْزَقُونَ.
__________
1 - آيَة 5 سُورَة ص.
2 - آيَة 70 سُورَة الْأَعْرَاف.
3 - آيَة 9 سُورَة الزخرف.
4 - آيَة 3 سُورَة الزمر.

(1/413)


وَلَو كَانَ معنى لَا إِلَه إِلَّا الله مَا زَعمه هَؤُلَاءِ لم يكن بَين الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين نزاع بل كَانُوا يبادرون إِلَى إجَابَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ يَقُول لَهُم - بزعم هَؤُلَاءِ - قُولُوا لَا الله إِلَّا الله - بِمَعْنى: لَا قَادر على الاختراع إِلَّا الله. لَكِن الْقَوْم - وهم أهل اللِّسَان الْعَرَبِيّ - فَهموا أَنهم إِذا قَالُوا لَا إِلَه إِلَّا الله: فقد أقرُّوا بِبُطْلَان عبَادَة الْأَصْنَام. وَلِهَذَا نفروا مِنْهَا وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 1 فعرفوا أَن لَا الله إِلَّا الله تَقْتَضِي ترك عبَادَة مَا سوى الله وإفراده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْعبَادَة، وَأَنَّهُمْ لَو قالوها واستمروا على عبَادَة مَا سوى الله لتناقضوا مَعَ أنفسهم. وَعباد الْقُبُور الْيَوْم لَا يأنفون من هَذَا التَّنَاقُض، فهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ ينقضونها بِعبَادة الْأَمْوَات والتقرب إِلَى الأضرحة بأنواع من الْعِبَادَات 2.
وَبِهَذَا يَتَّضِح أَن مَعْنَاهَا الصَّحِيح: - هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبِدَايَة - من نفي الألوهية الحقة عَمَّا سوى الله وإثباتها لله وَحده لَا شريك لَهُ.
وَأما تحقيقها: فَهُوَ أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَحده بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان وَسَائِر الْجَوَارِح مَعَ نفي اسْتِحْقَاق أَي مَخْلُوق لأي نوع من أَنْوَاع الْعِبَادَة الَّتِي لَا تصح إِلَّا لله. قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تيميه " ... وَبِالْجُمْلَةِ فمعنا أصلان عظيمان: أَحدهمَا: أَن لَا نعْبد إِلَّا الله. وَالثَّانِي: أَن لَا نعبده إِلَّا بِمَا شرع، لَا نعبده بِعبَادة مبتدعة. وَهَذَا الأصلان هما: تَحْقِيق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله " 3.
ثَانِيًا: مَتى ينْتَفع الْإِنْسَان بقولِهَا:
ينْتَفع الْإِنْسَان بقول لَا الله إِلَّا الله - إِذا حقق أَرْكَانهَا وشروطها - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه. وَمَات على ذَلِك لم يرتكب ناقضاً من نواقضها.
__________
1 - آيَة 5 سُورَة ص.
2 - انْظُر: التدمرية ص 120، وكشف الشُّبُهَات ص 9. وتيسير الْعَزِيز الحميد ص 53 - 54، 36 - 57. وَحَقِيقَة لَا إِلَه إِلَّا الله ص 63 - 64 (يتَصَرَّف) .
3 - الْفَتَاوَى ج 1 ص 333 وَانْظُر الْفَتَاوَى ج1 ص 8 61.

(1/414)


وَبِذَلِك يَزُول الْوَهم الَّذِي تعلق بِهِ بعض النَّاس - وَهُوَ أَن مُجَرّد التَّلَفُّظ بِهَذِهِ الْكَلِمَة يَكْفِي - أخذا بِظَاهِر بعض النُّصُوص كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث عتْبَان "إِن الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله " 1 وَحَدِيث أنس قَالَ "إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ومعاذ رديفه على الرحل - قَالَ: يَا معَاذ بن جبل: قَالَ: لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك - (ثَلَاثًا) - قَالَ: "مَا من أحد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صِدقاً من قلبه إِلَّا حرمه الله على النَّار… " الحَدِيث 2. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنهم كَانُوا مَعَ النَّبِي فِي غَزْوَة تَبُوك… الحَدِيث، وَفِيه: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله لَا يلقى الله بهما عبد غير شَاك فيحجب عَنهُ الْجنَّة" 3، وأمثالها.
إِذْ المُرَاد بِهَذِهِ النُّصُوص وأمثالها من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله - محققاً أَرْكَانهَا وشروطها وَمَات على ذَلِك.
إِذْ الرُّكْن أساس، وَالشّرط: لَا يَصح الْمَشْرُوط لَهُ إِلَّا بِهِ، والأعمال بالخواتيم فَلَو قَالَهَا - محققاً أَرْكَانهَا وشروطها لَكِن ارْتكب بعد ذَلِك ناقضاً من نواقضها وَمَات لم تَنْفَعهُ. فلابد أَن يَمُوت عَلَيْهَا لم يرتكب ناقضاً من نواقضها - بِدَلِيل حَدِيث أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "مَا من عبد قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك إِلَّا دخل الْجنَّة ... " الحَدِيث4 5
__________
1 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الرقَاق بَاب الْعَمَل الَّذِي يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله جـ1 ص 241. وَمُسلم فِي كتاب الْمَسَاجِد ومواضع الصَّلَاة بَاب الرُّخْصَة فِي التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة لعذر ج5 ص 160.
2 - رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أنس بن مَالك فِي كتاب الْعلم بَاب: من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفرقُوا ج1 ص 226.
3 - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب الدَّلِيل على أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعا ج1 ص 226.
4 - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب من مَاتَ لم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة ج2 ص 94.
5 - انْظُر: تيسير الْعَزِيز الحميد ص65 - 67 - 69. وَفتح الْمجِيد ص84 (الْحَاشِيَة) .

(1/415)


ثَالِثا: أَرْكَان لَا إِلَه إِلَّا الله.
تَعْرِيف الرُّكْن لُغَة وَاصْطِلَاحا.
الرُّكْن لُغَة: من كل شَيْء: جَانِبه الْأَقْوَى الَّذِي يسْتَند إِلَيْهِ، وَالْأَمر الْعَظِيم. وللرجل: مَا فِيهِ عزّة ومنعَة من عشيرة أَو سُلْطَان وكل مَا يتقوى بِهِ. وَفِي الْقَوْم: الشريف بَينهم. جمعه أَرْكَان وأركن. وأركان الْإِنْسَان جوارحه والأركان من كل شَيْء: جوانبه الَّتِي يسْتَند إِلَيْهَا. وَالْعِبَادَة: كَالصَّلَاةِ - مَا تبطل بالإخلال بِهِ عمدا أَو سَهوا 1
الرُّكْن فِي الِاصْطِلَاح: مَا يقوم بِهِ ذَلِك الشَّيْء من التقوّم، إِذْ قوام الشَّيْء بركنه لَا من الْقيام وَإِلَّا يلْزم أَن يكون الْفَاعِل ركنا للْفِعْل، والجسم ركنا للعرض، والموصوف للصفة 2 وَقيل: ركن الشَّيْء: مَا يتم بِهِ وَهُوَ دَاخل فِيهِ بِخِلَاف شَرطه وَهُوَ خَارج عَنهُ 3. وَقيل ركن الشَّيْء: مَا توقف الشَّيْء على وجوده وَكَانَ جُزْءا من حَقِيقَته كَقِرَاءَة الْقُرْآن فِي الصَّلَاة فَإِنَّهَا ركن لَهَا لتوقف وجودهَا فِي نظر الشَّارِع على تحققها. وَهِي جُزْء من حَقِيقَة الصَّلَاة. وَهَكَذَا كل مَا كَانَ ركنا لشَيْء فَإِن ذَلِك الشَّيْء لَا يكون لَهُ وجود فِي نظر الشَّارِع إِلَّا إِذا تحقق ذَلِك الرُّكْن4.
والتعارف - كَمَا نرى - مُتَقَارِبَة إِلَّا أَن الْأَخير أدقها وأكملها لذا نختاره.
وَعَلِيهِ، فأركان الشَّيْء: أجزاؤه الَّتِي لَا يتَحَقَّق بِدُونِهَا.
وَإِذا: فأركان لَا إِلَه إِلَّا الله: هِيَ أجزاؤها الَّتِي لَا تتَحَقَّق بِدُونِهَا وَهِي اثْنَان: نفي، وَإِثْبَات.
النَّفْي: وحدّه: لَا إِلَه. وَالْمرَاد بِهِ: نفي الإلهية الحقة عَمَّا سوى الله من
__________
1 - انْظُر: مُعْجم متن اللُّغَة مَادَّة ركن ج2 ص 642 - 643، والصحاح للجوهري مَادَّة ركن ج 5ص26 21 ولسان الْعَرَب مَادَّة ركن ج1 ص1219، ومختار الصِّحَاح مَادَّة ركن ص 255.
2 - التعريفات ص 117.
3 - نفس الْمصدر السَّابِق.
4 - انْظُر: أصُول الْفِقْه الإسلامي ص 314 - 315.

(1/416)


سَائِر الْمَخْلُوقَات. وَالْإِثْبَات: وحدّ5: إِلَّا الله. وَالْمرَاد بِهِ: إِثْبَات الإلهية الحقة لله وَحده لَا شريك لَهُ فِي عِبَادَته كَمَا أَنه لَا شريك لَهُ فِي ملكه فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِلَه الْحق وَمَا سواهُ من الْآلهَة الَّتِي اتخذها الْمُشْركُونَ كلهَا بَاطِلَة. قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ... } الْآيَة1 2.
__________
1 - آيَة 62 الْحَج
2 - انْظُر الكواشف الْحلَّة ص 21، الْفَتَاوَى ج14 ص171 - 172.

(1/417)


مدْخل
...
شُرُوط لَا الله إِلَّا الله:
تَقْدِيم:
فِي تَعْرِيف الشَّرْط، الشَّرْط لُغَة: - بِسُكُون الرَّاء - هُوَ إِلْزَام الشَّيْء والتزامه فِي البيع وَنَحْوه. جمعه شُرُوط. تَقول: شَرط لَهُ أمرا: الْتَزمهُ وَعَلِيهِ أمرا: ألزمهُ إِيَّاه1.
وَفِي الِاصْطِلَاح: مَا يتَوَقَّف ثُبُوت الحكم عَلَيْهِ 2.
وَقيل: مَا لَا يُوجد الْمَشْرُوط مَعَ عَدمه وَلَا يلْزم أَن يُوجد عِنْد وجوده3.
وَقيل: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة شُرُوطه 4
وَقيل: مَا توقف الشَّيْء على وجوده وَلم يكن جُزْءا من حَقِيقَته. كَالْوضُوءِ فِي الصَّلَاة. فَإِنَّهُ شَرط لصِحَّة الصَّلَاة. فَإِذا لم يُوجد لم تصح الصَّلَاة، وَلَيْسَ الْوضُوء جُزْءا من حَقِيقَة الصَّلَاة. وَهَكَذَا كل مَا جعله الشَّارِع شرطا لشَيْء. فَإِن هَذَا الشَّيْء لَا يتَحَقَّق وَلَا يعْتد بِهِ - فِي نظر الشَّارِع إِلَّا إِذا تحقق ذَلِك الشَّرْط - وَإِن لم يكن جُزْءا من حَقِيقَته 5وَهَذَا التَّعْرِيف: هُوَ الأولى، لِأَنَّهُ يتَضَمَّن مَا
__________
1 - انْظُر: مُعْجم مَتن اللُّغَة مَادَّة شَرط ج3 ص 304، والمعجم الْوَسِيط مَادَّة شَرط ج1ص 478.
2 - التعريفات ص 131.
3 - رَوْضَة الناضر ص 135.
4 - إتحاف الْمُسلمين بِمَا تيَسّر من أَحْكَام الدّين ج1 ص 122.
5 - أصُول الْفِقْه الإسلامي ص 315.

(1/417)


أشارت إِلَيْهِ التعاريف السَّابِقَة وَعَلِيهِ: فشروط الشَّيْء هِيَ الَّتِي لَا يَصح إِلَّا بتوافرها.
وَإِذا فشروط لَا الله إِلَّا الله. هِيَ: الَّتِي لَا تصح لَا الله إِلَّا الله إلاّ بتوافرها. وَهِي سَبْعَة نظمها أحد الْعلمَاء فِي قَوْله.
علم يَقِين وإخلاص وصدقك مَعَ ... محبَّة وانقياد وَالْقَبُول لَهَا 1
كَمَا جمعهَا الشَّيْخ حَافظ فِي قَوْله:
وبشروط سَبْعَة قد قيدت ... وَفِي نُصُوص الْوَحْي حَقًا وَردت
فَإِنَّهُ لم ينْتَفع قَائِلهَا ... بالنطق إِلَّا حَيْثُ يستكملها
وَالْعلم وَالْيَقِين وَالْقَبُول ... والانقياد فادر مَا أَقُول
والصدق وَالْإِخْلَاص والمحبة ... وفقك الله لما أحبه 2
والآن نشرع فِي بَيَان كل شَرط مِنْهَا بِشَيْء من الْإِيضَاح.
__________
1 - لم أَقف على قَائِله.
2 - معارج الْقبُول ج 2 ص 418 - 419.

(1/418)


الشَّرْط الأول: الْعلم.
الْعلم لُغَة: نقيض الْجَهْل. تَقول علمه علما - أَي - عرفه حق الْمعرفَة وَفِي التَّنْزِيل: { ... مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ... } الْآيَة3.
وَعلم الرجل: خَبره، وَأحب أَن يُعلمهُ: أَن يُخبرهُ. وَعلم بالشَّيْء: شعر بِهِ ودرى. يُقَال: مَا علمت بِخَبَر قدومك، أَي: مَا شَعرت. وَفِي التَّنْزِيل: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ , بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ... } 4 الْآيَة.
وَعلم الْأَمر وتعلمه: أتقنه.
__________
1 - آيَة 60 الْأَنْفَال.
2 - آيَة 26 - 27 يس.

(1/418)


وَعلمت الْعلم نَافِعًا: أيقنت وصدقت. وفى التَّنْزِيل: { ... فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ... } الْآيَة1 2
وَفِي الِاصْطِلَاح: عرف بتعاريف كَثِيرَة، اخْتَرْت مِنْهَا هَذَا التَّعْرِيف.
وَهُوَ: معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ.3 وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ أَبُو يعلى فِي كِتَابه الْعدة4 - بعد أَن عرض بعض التعاريف وناقشها مُبينًا عدم صِحَّتهَا وَأَن هَذَا التَّعْرِيف هُوَ الصَّحِيح. وَذَلِكَ أَن هَذَا الْحَد - كَمَا قَالَ القَاضِي أَبُو بكر: "يحصره على مَعْنَاهُ وَلَا يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا يخرج مِنْهُ شَيْئا هُوَ مِنْهُ. وَالْحَد إِذا أحَاط بالمحدود على هَذَا السَّبِيل وَجب أَن يكون حدا ثَابتا صَحِيحا ... وَقد ثَبت أَن كل علم تعلق بِمَعْلُوم فَإِنَّهُ معرفَة لَهُ وكل معرفَة لمعلوم فَإِنَّهَا علم بِهِ، فَوَجَبَ تَوْثِيق الْحَد الَّذِي حددنا بِهِ الْعلم"5. وَعَلِيهِ فالعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله: مَعْرفَتهَا بحقيقتها. وَهُوَ: أَن تعلم بمعناها نفيا وإثباتاً علما منافياً للْجَهْل.
وَمَعْنَاهَا: الْبَرَاءَة من كل مَا يعبد من دون الله، وإخلاص الْعِبَادَة لله وَحده بِاللِّسَانِ وَالْقلب وَسَائِر الْجَوَارِح.6
وَقد دلّ الْكتاب وَالسّنة على ذَلِك. فَمن الْكتاب:
قَوْله تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ... } الْآيَة.7
وَهَذِه الْآيَة - كَمَا نرى - صَرِيحَة فِي اشْتِرَاط الْعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله.
قَالَ الْوَزير أَبُو المظفر فِي الإفصاح: "قَوْله "شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله "
__________
1 - آيَة 10 الممتحنة.
2 - انْظُر لِسَان الْعَرَب مَادَّة علم جـ2ص870 - 871 المعجم الْوَسِيط مَادَّة علم جـ2ص624 ومعجم متن اللُّغَة مَادَّة علم جـ4ص194.
3 - هَذَا التَّعْرِيف للْقَاضِي أبي بكر انْظُر التَّمْهِيد ص34.
4 - جـ1ص76.
5 - التَّمْهِيد للباقلاني ص34.
6 - انْظُر الْفَتَاوَى جـ13ص200.
7 - آيَة 19 سُورَة مُحَمَّد.

(1/419)


يَقْتَضِي أَن يكون الشَّاهِد عَالما بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الله. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} .1
وَقَوله تَعَالَى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 2.
وَالشَّاهِد - قَوْله: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} .
إِذا المُرَاد بِشَهَادَة الْحق: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله 3 فَيكون الْمَعْنى: إِلَّا من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وهم يعلمُونَ معنى مَا نطقوا بِهِ.
وَقَوله تَعَالَى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ …} الْآيَة4.
وَمن السّنة: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة".5
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ عبَادَة بن الصَّامِت. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ، وَالْجنَّة حق، وَالنَّار حق، أدخلهُ الله الْجنَّة على مَا كَانَ من الْعَمَل ".6
وَالشَّاهِد: قَوْله "من شهد" كَيفَ يشْهد وَهُوَ لَا يعلم، إِذْ مُجَرّد النُّطْق بالشَّيْء لَا يُسمى شَهَادَة بِهِ.7
__________
1 - فتح الْمجِيد ص 36 - 37.
2 - آيَة 86 سُورَة الزخرف.
3 - انْظُر: تَفْسِير الْبَغَوِيّ ج 7 ص 224، وَتَفْسِير المراغي ج25 ص 116 وَفتح الْقَدِير ج4ص567.
4 - آيَة 52 إِبْرَاهِيم.
5 - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب الدَّلِيل على أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعا ج1 ص 218. وَأحمد فِي مُسْنده ج 3 ص11.
6 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَنْبِيَاء بَاب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقّ..} الْآيَة ج6ص 474. وَمُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب الدَّلِيل على أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعا ج1 ص 223.
7 - انْظُر: تيسير الْعَزِيز الحميد ص 53.

(1/420)


وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "إِذا قَالَ العَبْد أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ الله يَا ملائكتي علم عَبدِي أَنه لَيْسَ لَهُ رب غَيْرِي - أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُ " 1.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "من علم أَن الله ربه وَأَنِّي نبيه موقنا من قلبه حرمه الله على النَّار" 2.
هَذِه بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة الَّتِي توضح شَرْطِيَّة الْعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله ولاشك أَن الْعلم لَا يكون علما إِلَّا إِذا كَانَ نَافِعًا وَلَا يكون نَافِعًا إِلَّا مَعَ الْعَمَل. فَمن لم ينْتَفع بِهَذِهِ الشَّهَادَة بِالْعَمَلِ بِمَا تَقْتَضِيه لم يتَحَقَّق لَدَيْهِ شَرط الْعلم.
قَالَ البقاعي: " "لَا إِلَه إِلَّا الله " أَي انْتَفَى انْتِفَاء عَظِيما أَن يكون معبوداً بِحَق غير الْملك الْأَعْظَم، فَإِن هَذَا الْعلم هُوَ أعظم الذكرى المنجية من أهوال السَّاعَة، وَإِنَّمَا يكون علما إِذا كَانَ نَافِعًا وَإِنَّمَا يكون نَافِعًا إِذا كَانَ مَعَ الإِذعان وَالْعَمَل بِمَا تَقْتَضِيه وَإِلَّا فَهُوَ جهل صرف"3.
وَالْمرَاد من هَذِه الْكَلِمَة - كَمَا ذكرت آنِفا - مَعْنَاهَا وتحقيقها بِالْعَمَلِ بمقتضاها لَا مُجَرّد لَفظهَا فَإِن الْمُنَافِقين كَانُوا يَقُولُونَهَا وهم تَحت الْكفَّار فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار.
وَالْكفَّار - مَعَ جهلهم بِمَا جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة - يعلمُونَ أَن مُرَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ الْكَلِمَة هُوَ إِفْرَاد الله بالتعلق وَالْكفْر بِمَا يعبد من دون الله والبراءة مِنْهُ، فَإِنَّهُ لما قَالَ لَهُم: "قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله" قَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ!} 4.
__________
1 - رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر عَن أنس. انْظُر: كنز الْعمَّال ج 1ـ ص 48 حَدِيث 136.
2 - رَوَاهُ الْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة والخطيب عَن عمرَان بن حُصَيْن. انْظُر: كشف الأستار عَن زَوَائِد الْبَزَّار الجالون1 ص15. وَالْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج1ص802، وكنز الْعمَّال ج1 ص 68 برقم 257.
3 - فتح الْمجِيد ص 38، وتيسير الْعَزِيز الحميد ص 56.
4 - آيَة 5 سُورَة ص.

(1/421)


فَإِذا عرفت أَن جهال الْكفَّار يعْرفُونَ ذَلِك، فالعجب مِمَّن يَدعِي الْإِسْلَام وَهولا يعرف من تَفْسِير هَذِه الْكَلِمَة مَا عرفه جهال الْكَفَرَة بل يظنّ أَن ذَلِك: هُوَ التَّلَفُّظ بحروفها من غير اعْتِقَاد الْقلب لشَيْء من الْمعَانِي، والحاذق مِنْهُم يظنّ أَن مَعْنَاهَا: لَا يخلق وَلَا يرْزق إِلَّا الله. فَلَا خير فِي إِنْسَان جهال الْكفَّار أعلم مِنْهُ بِلَا اله إِلَّا الله. وبسبب هَذَا الْجَهْل ضل من ضل مِنْهُم حِين قلبوا حَقِيقَة الْمَعْنى فأثبتوا الإلهية المنفية لمن نفيت عَنهُ من المخلوقين أَرْبَاب الْقُبُور والمشاهد وَالْأَشْجَار والأحجار وَالْجِنّ وَغير ذَلِك. فَلهَذَا تجدهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وهم يدعونَ مَعَ الله غَيره، وَمَا ذَاك إِلَّا بِسَبَب الْجَهْل بِمَعْنى لَا إِلَه إِلَّا الله 1.
وَالْحَد الْأَدْنَى للْعلم بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله الْعلم بمعناها بِصُورَة إجمالية وَيَأْتِي بعد هَذَا الْحَد دَرَجَات يتَفَاوَت النَّاس فِيهَا فِي الْعلم بِهَذِهِ الشَّهَادَة أَعْلَاهَا البصيرة الَّتِي تكون بِنِسْبَة الْمَعْلُوم فِيهَا إِلَى الْقلب كنسبة المرئي إِلَى الْبَصَر2. وبقدر الْعلم وَالْجهل يحصل التَّفَاضُل فِي الإِيمان بهَا، إِذْ أَن الْعلم يسْتَلْزم الْعَمَل فَكلما زَاد الْعلم زَاد الْعَمَل، وَبِذَلِك يزْدَاد الْإِيمَان وَمن ثمَّ يحصل التَّفَاضُل فِيهِ.
رُوِيَ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ "يخرج من النَّار من قَالَ لَا اله إِلَّا الله وَفِي قلبه وزن شعيرَة من خير، وَيخرج من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي قلبه وزن بُرّة من خير، وَيخرج من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي قلبه وزن ذرة من خير".3
وَفِي رِوَايَة عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "من إِيمَان " مَكَان "من خير" 4.
المُرَاد بقوله "من خير" من إِيمَان. بِدَلِيل الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
__________
1 - انْظُر: كشف الشُّبُهَات ص 9، وَفتح الْمجِيد ص 35 (الْمَتْن والحاشية) .
2 - انْظُر: فتح الْمجِيد ص 81.
3 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْإِيمَان بَاب زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه ج1 ص103.
4 - الْمصدر نَفسه.

(1/422)


والْحَدِيث ظَاهر الدّلَالَة بمنطوقه على تفاضل أهل الْإِيمَان فِيهِ وبمفهومه على زِيَادَته ونقصانه 1.
وَهَذَا التَّفَاضُل فِي الْإِيمَان من أثر الْعلم وَالْجهل، فَكلما ازْدَادَ الْإِنْسَان علما كَانَ إيمَانه أفضل. وَيُؤَيّد ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 00 الْآيَة 2.
قَالَ ابْن كثير: "أَي إِنَّمَا يخشاه حق خَشيته الْعلمَاء العارفون بِهِ ... لِأَنَّهُ كلما كَانَت الْمعرفَة بِهِ أتم وَالْعلم بِهِ أكمل كَانَت الخشية لَهُ أعظم وَأكْثر" 3وَعَلِيهِ فإيمان الْعلمَاء أفضل من إِيمَان غَيرهم.
وَقَوله تَعَالَى: { ... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} 4.
أَشَارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي هَذِه الْآيَة - إِلَى أَن الْعَالم 5 لَا يَسْتَوِي مَعَ غير الْعَالم بل بَينهمَا تفاضل، وَمن أوجه التَّفَاضُل: التَّفَاضُل فِي الْإِيمَان.
وَعَلِيهِ: فَكلما ازْدَادَ الْإِنْسَان علما بِلَا إِلَه إِلَّا الله كَانَ إيمَانه بهَا أفضل. وَبِذَلِك يَتَّضِح أَن الْعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله (بمعناها ومقتضاها المستلزم للْعَمَل) أحد شُرُوط لَا إِلَه إِلَّا الله الَّتِي لَا تصح إِلَّا بهَا. وَأَن الْعلم بهَا يتَفَاوَت وبقدر الْعلم وَالْجهل يحصل التَّفَاضُل فِي الْإِيمَان بهَا. وَالله أعلم.
__________
1 - انْظُر: معارج الْقبُول ج3 ص 5 100 - 1006.
2 - آيَة 28 فاطر.
3 - تَفْسِير ابْن كثيرجـ3 ص 553.
4 - آيَة 9 الزمر.
5 - المُرَاد الْعَالم الْعَامِل بِعِلْمِهِ، إِذْ أَن الْعلم لَا يُسمى علما إِلَّا إِذا كَانَ نَافِعًا وَلَا يكون نَافِعًا إِلَّا مَعَ الْعَمَل.

(1/423)


الشَّرْط الثَّانِي: الْقَيْن.
...
الشَّرْط الثَّانِي: الْيَقِين.
الْيَقِين: لُغَة: هُوَ زَوَال الشَّك، وَتَحْقِيق الْأَمر، وَالْعلم بِهِ.
وَهُوَ: نقيض الشَّك - كَمَا أَن الْعلم نقيض الْجَهْل.

(1/423)


وَالْمَوْت: كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} 1.
وَرُبمَا عبروا بِالظَّنِّ عَن الْيَقِين وباليقين عَن الظَّن - قَالَ: أَبُو سِدْرَة الْأَسدي وَيُقَال الهُجَيْمِي:
تحسب هواس وأيقن أنني ... بهَا مقتد من وَاحِد لَا أغامره
يَقُول: تشمم الْأسد نَاقَتي يظنّ أنني أفتدي بهَا مِنْهُ واستحمي نَفسِي فأتركها لَهُ وَلَا أقتحم المهالك بمقاتلته.
وَحقّ الْيَقِين - كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى -: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} 2 هُوَ خالصه وأصحه 3.
وَفِي الِاصْطِلَاح: اعْتِقَاد الشَّيْء بِأَنَّهُ كَذَا مَعَ اعْتِقَاد أَنه لَا يُمكن إِلَّا كَذَا مطابقاً للْوَاقِع غير مُمكن الزَّوَال 4.
وَالْمرَاد هُنَا: أَن يكون قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مُسْتَيْقنًا قلبه بمدلول هَذِه الْكَلِمَة يَقِينا جَازِمًا منافياً للشَّكّ.
فَمن قَالَهَا وهوشاك فِي شَيْء مِمَّا دلّت عَلَيْهِ من مَعْنَاهَا لم يتَحَقَّق لَدَيْهِ هَذَا الشَّرْط 5
والأدلة على ذَلِك كَثِيرَة من الْكتاب وَالسّنة.
فَمن الْكتاب: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} 6 فالآية تدل على أَن من شُرُوط صدق إِيمَان الْمُؤمنِينَ بِاللَّه وَرَسُوله الَّذِي هُوَ معنى
__________
1 - آيَة 99 سُورَة الْحَشْر.
2 - آيَة 31 سُورَة الحاقة.
3 - انْظُر: لِسَان الْعَرَب مَادَّة يقن جـ3 ص 1015، ومعجم متن اللُّغَة مَادَّة يقن جـ5 ص 838 والصحاح للجوهري مَادَّة يقن جـ6ص 2219.
4 - انْظُر: التعريفات للجرجاني ص 280.
5 - انْظُر: بَيَان مسَائِل الْكفْر وَالْإِيمَان ص 163 - 164، والكواشف الجلية ص 21 وَفتح الْمجِيد ص 35.
6 - آيَة 49 سُورَة الحجرات.

(1/424)


الشَّهَادَة كَونهم متيقنين بهَا لم يرتابوا - أَي لم يشكوا - فَمن ارتاب فَلَيْسَ بِمُؤْمِن بل هُوَ من الْمُنَافِقين الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فيهم: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} 1.
وَمن السّنة مَا ورد فِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُوله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله لَا يلقى الله بهما عبد غير شَاك فيهمَا إِلَّا دخل الْجنَّة" 2
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي هُرَيْرَة: " اذْهَبْ بنعلي هَاتين فَمن لقِيت وَرَاء هَذَا الْحَائِط يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه فبشره بِالْجنَّةِ " 3.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ معَاذ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "مَا من نفس تَمُوت وَهِي تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله يرجع ذَلِك إِلَى قلب موقن إِلَّا غفر الله لَهَا" 4.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ جَابر أَنه قَالَ: " اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاس أَنه من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله موقنا أَو مخلصاً فَلهُ الْجنَّة " 5.
وَعَن عُثْمَان بن عَفَّان عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ: "إِنِّي لأعْلم كلمة لَا يَقُولهَا عبد حَقًا من قلبه فَيَمُوت على ذَلِك إِلَّا حرمه الله على النَّار: لَا إِلَه إِلَّا الله " 6.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث - كَمَا نرى - تدل صَرَاحَة على اشْتِرَاط الْيَقِين بِالشَّهَادَةِ بل
__________
1 - آيَة 43 سُورَة التَّوْبَة.
2 - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب الدَّلِيل على أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعاًج1 ص 224 وَأحمد فِي مُسْنده ج3 ص 11 وَانْظُر. كنز الْعمَّال حديت 116.
3 - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعا ج1 ص 237.
4 - رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده ج5 ص 229 وَابْن حبَان وَصَحِيحه برقم 203 ج 1 ص369 عَن معَاذ.
5 - رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه برقم151 ص312 وَذكر السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِع الْكَبِير جـ1ص96 وَزَاد نسبته لِابْنِ خُزَيْمَة وَذكره عَلَاء الدّين فِي كنز الْعمَّال برقم 144 وَقَالَ حَدِيث صَحِيح.
6 - رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيح بِسَنَد صَحِيح برقم 204 ج1ص370 (الْمَتْن والحاشية) وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده جـ1 ص 63, واالبزار: كشف الأستار ج1 ص13.

(1/425)


سَمَّاهُ بعض الْأَئِمَّة أصل الْإِيمَان كَمَا قَالَ ابْن حجر فِي شَرحه لقَوْل ابْن مَسْعُود: (الْيَقِين الْإِيمَان كُله) 1.
إِن مُرَاد ابْن مَسْعُود أَن الْيَقِين هُوَ أصل الْإِيمَان، فَإِذا أَيقَن الْقلب - كَمَا يَنْبَغِي - انبعثت الْجَوَارِح كلهَا للقاء الله بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَات. حَتَّى قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: "لَو أَن الْيَقِين وَقع فِي الْقلب - كَمَا يَنْبَغِي - لطار اشتياقاً إِلَى الْجنَّة وهرباً من النَّار" 2.
إِذا عرفنَا مَا ذكر اتَّضَح أهمية الْيَقِين بِالشَّهَادَةِ وَأَنه فضلا عَن كَونه شرطا لتحققها وفارقاً بَين الْمُؤمن وَالْمُنَافِق وشرطاً للمغفرة وَدخُول الْجنَّة.
أَنه أصل الْإِيمَان - كَمَا قَالَ ابْن حجر.
أما القَوْل بِأَن التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِدُونِ استيقان الْقلب كافٍ فِي الإِيمان فَهُوَ مَذْهَب غلاة المرجئة - والآيات وَالْأَحَادِيث الآنف ذكرهَا كلهَا تدل على فَسَاده بل هُوَ مَذْهَب مَعْلُوم الْفساد من الشَّرِيعَة لمن وقف عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ تسويق النِّفَاق وَالْحكم لِلْمُنَافِقِ بِالْإِيمَان الصَّحِيح وَهُوَ بَاطِل قطعا 3. وَالله أعلم.
__________
1 - هَذَا طرف من أثر وَصله الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح. وبقيته (وَالصَّبْر نصف الْإِيمَان) وَقد تعلق بِهَذَا الْأَثر من قَالَ: إِن الْإِيمَان مُجَرّد التَّصْدِيق. وَأجِيب بِأَن مُرَاد ابْن مَسْعُود أَن الْيَقِين أصل الْإِيمَان. انْظُر: فتح الْبَارِي ج1 ص 48.
2 - فتح الْبَارِي ج1ص 48.
3 - انْظُر. الْمُفْهم شرح صَحِيح مُسلم ج1 ص 160.
والمعلم بفوائد مُسلم للْإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الْمَازرِيّ ج1 ص 194.

(1/426)


الشَّرْط الثَّالِث: الْإِخْلَاص.
الْإِخْلَاص: لُغَة: مصدر أخْلص يخلص. وَهُوَ يرد لمعانٍ. مِنْهَا: تنقية الشَّيْء وتهذيبه. تَقول: أخلصت السّمن: أَي جعلته خَالِصا. وأخلص لله دينه: أمحضه وَترك الرِّيَاء فِيهِ. فَهُوَ عبد مخلص. وأخلص الشَّيْء: اخْتَارَهُ.

(1/426)


وَقُرِئَ: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 1 بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا - قَالَ ثَعْلَب: يَعْنِي بالمخلِصين: الَّذين أَخْلصُوا الْعِبَادَة لله تَعَالَى، وبالمخلَصين: الَّذين أخلصهم الله عز وَجل.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً ... } الْآيَة2وَقُرِئَ: مخلِصاً. والمخلَص: الَّذِي جعله الله مُخْتَارًا خَالِصا من الدنس. والمخلِص: الَّذِي وحد الله تَعَالَى خَاصّا. وَلذَلِك قيل لسورة قل هُوَ الله أحد سُورَة الْإِخْلَاص. قَالَ ابْن الْأَثِير: سميت بذلك لِأَنَّهَا خَالِصَة فِي صفة الله تَعَالَى وتقدس. أَو لِأَن اللافظ بهَا قد أخْلص التَّوْحِيد لله عز وَجل. وَسميت كَذَلِك - لَا إِلَه إِلَّا الله - كلمة الْإِخْلَاص لِأَن اللافظ بهَا قد أخْلص التَّوْحِيد لله عز وَجل.3
وَحَقِيقَة الْإِخْلَاص: هُوَ تصفية الْعَمَل لله بالتبري من دونه.4
قَالَ الْغَزالِيّ - فِي بَيَان حَقِيقَة الْإِخْلَاص -: "اعْلَم أَن كل شَيْء يتصّور أَن يشوبه غَيره فَإِذا صفا عَن شوبه وخلص عَنهُ سمي خَالِصا، وَيُسمى الْفِعْل الْمُصَفّى: المخلص. والتصفية إخلاصاً. قَالَ تَعَالَى: { ... مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} 5 ... وَالْإِخْلَاص يضاده الْإِشْرَاك ... فمهما كَانَ الْبَاعِث وَاحِدًا على التجرد سمي الْفِعْل الصَّادِر عَنهُ إخلاصاً ... وَلَكِن الْعَادة جَارِيَة بتخصيص اسْم الْإِخْلَاص بتجريد قصد التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى عَن جَمِيع الشوائب ... ".6
__________
1 - آيَة 83 ص.
2 - آيَة 51 مَرْيَم.
3 - انْظُر: لِسَان الْعَرَب مَادَّة خلص جـ28 ص 26 - 28 ومعجم مقاييس اللُّغَة مَادَّة خلص ج2ص208 والصحاح للجوهري مَادَّة خلص ج3 ص 33 10 وتاج الْعَرُوس مَادَّة خلص ج4 ص 389 - 390.
4 - انْظُر تَاج الْعَرُوس ج4ص390.
5 - آيَة 66 النَّحْل.
6 - الْإِحْيَاء ج4 ص 379.

(1/427)


فَمن لم يخلص الْعِبَادَة لله تَعَالَى بِأَن أَرَادَ بهَا الرِّيَاء أَو السمعة أَو الدُّنْيَا أَو نَحْوهَا لم يُحَقّق الشَّهَادَة لانْتِفَاء شَرط الْإِخْلَاص1. قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تيميه: "وأصل الْإِسْلَام أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَمن طلب بِعِبَادَتِهِ الرِّيَاء والسمعة فَلم يُحَقّق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله …" 2 لِأَنَّهُ لم يخلص فِي مقتضاها.
وَإِلَيْك بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة الَّتِي تُشِير إِلَى هَذَا الشَّرْط:
فَمن الْكتاب: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ , أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ …} الْآيَة 3.
وَقَوله تَعَالَى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} 4.
وَقَوله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ... } الآَية 5.
وَمن السّنة مَا يضيق عَنهُ الْمقَام. مِنْهَا: مَا يَلِي:
عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: "قَالَ الله تَعَالَى: أَنا أغْنى الشُّرَكَاء من عمل عملا أشرك فِيهِ معي غَيْرِي تركته وشركه " 6.
وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله من أسعد النَّاس بشفاعتك يَوْم الْقِيَامَة؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لقد ظَنَنْت يَا أَبَا هُرَيْرَة أَن لَا يسْأَل عَن هَذَا الحَدِيث أحد أوَّل مِنْك لما رَأَيْت من حرصك على الحَدِيث. أسعد النَّاس بشفاعتي يَوْم الْقِيَامَة من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله خَالِصا من قلبه ". وَفِي رِوَايَة
__________
1 - انْظُر: فتح الْمجِيد ص 38 وَالْكَلَام الْمُنْتَقى ص30.
2 - الْفَتَاوَى ج11 ص617.
3 - آيَة 2 - 3 الزمر.
4 - آيَة 14 الزمر.
5 - آيَة 5 الْبَيِّنَة.
6 - رَوَاهُ مُسلم فِي الزّهْد بَاب تَحْرِيم الرِّيَاء ج18 ص 115.

(1/428)


"خَالِصَة من قلبه " 1.
وَعَن عتْبَان بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله عز وَجل " 2.
وَعَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنِّي لأرجو أَلا يَمُوت أحد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصا من قلبه فيعذبه الله عز وَجل " 3.
وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "مَا قَالَ عبد لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً من قلبه، إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء حَتَّى تُفْضِي إِلَى الْعَرْش مَا اجْتنب الْكَبَائِر" 4.
وَعَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً من قلبه دخل الْجنَّة".5
وَعَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة عَظِيمَة كَرِيمَة على الله تَعَالَى من قَالَهَا مخلصا ستوجب الْجنَّة وَمن قَالَهَا كَاذِبًا عصمت مَاله وَدَمه وَكَانَ مصيره إِلَى النَّار".6
وَالْمرَاد هُنَا: الْإِخْلَاص فِيمَا تَقْتَضِيه لَا إِلَه إِلَّا الله من الْعُبُودِيَّة لله وَحده لَا شريك لَهُ.
__________
1 - رَوَاهُ البُخَارِيّ وَكتاب الْعلم بَاب الْحِرْص على الحَدِيث ج1 ص 193، وَأحمد فِي مُسْنده ج2ص 373.
2 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الرقَاق بَاب الْعَمَل الَّذِي يبتغى بِهِ وَجه الله ج11 ص 241، وَمُسلم فِي كتاب الْمَسَاجِد ومواضع الصَّلَاة بَاب الرُّخْصَة فِي التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة لعذر جـ5 ص160.
3 - رَوَاهُ الديلمي والخطيب عَن ابْن عمر. كنز الْعمَّال ج1 ص51 - 52، وَالْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج1 ص310.
4 - أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الدَّعْوَات بَاب رقم 127 برقم0 9 35 بِإِسْنَاد حسن وَانْظُر: جَامع الْأُصُول ج4 ص 39 (الْمَتْن والحاشية)
5 - رَوَاهُ بن حبَان فِي صَحِيحه. صَحِيح ابْن حبَان ج1 ص367 (الْمَتْن والحاشية) .
6 - رَوَاهُ ابْن النجار عَن دِينَار عَن أنس. كنز الْعمَّال ج1 ص 62، وَالْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج1ص875.

(1/429)


هَذِه بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة الَّتِي توكد شَرْطِيَّة الْإِخْلَاص وأهميته. بل هُوَ حَقِيقَة الْإِسْلَام. قَالَ شيخ الْإِسْلَام: "وَأما الْإِخْلَاص فَهُوَ حَقِيقَة الْإِسْلَام إِذْ "الْإِسْلَام " هُوَ الاستسلام لله لَا لغيره كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ... } 1 فَمن لم يستسلم لله فقد استكبر، وَمن استسلم لله وَلغيره فقد أشرك وكل من الْكبر والشرك ضد الْإِسْلَام، وَالْإِسْلَام ضد الشّرك وَالْكبر" 2.
وَمن هُنَا يتَبَيَّن لنا أَنه لَا ينْتَفع قائلوا الشَّهَادَة - وَإِن كَانُوا عَالمين بمعناها علما يَقِينا إِلَّا إِذا كَانُوا مُخلصين فِي عِبَادَتهم لله وَحده. والمخلصون هم: الَّذين كَانَت أَعْمَالهم كلهَا لله - سَوَاء كَانَت قلبية أَو قوليه أَو عملية - لله وَحده لَا شريك لَهُ لَا يُرِيدُونَ بهَا من النَّاس جَزَاء وَلَا شكُورًا وَلَا ابْتِغَاء الجاه عِنْدهم، وَلَا طلب المحمودة والمنزلة فِي قُلُوبهم، وَلَا هرباً من ذمهم3.
فلابد من الْإِخْلَاص لله تَعَالَى فِي جَمِيع أَنْوَاع الْعِبَادَة، وَهُوَ مَا تَقْتَضِيه شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن فِي قَوْله تَعَالَى: { ... فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 4: "إِنَّه ربكُم وخالقكم وَمن قبلكُمْ وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة فَلَا ترغبوا عَنهُ إِلَى غَيره بل أَخْلصُوا لَهُ الْعِبَادَة بِجَمِيعِ أَنْوَاعهَا فِيمَا تطلبونه من قَلِيل أَو كثير" 5
وَلم يُحَقّق الْإِخْلَاص لله تَعَالَى من دَعَا غَيره وَإِن كَانَ نَبيا أَو صَالحا أَو ملكا أَو استشفع بجاههم أَو ذاتهم إِلَى الله تَعَالَى فِي طلب خير أَو كشف ضرّ قَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً , أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ
__________
1 - آيَة 29 الزمر.
2 - الْفَتَاوَى ج10ص83.
3 - انْظُر: مدارج السالكين ج1 ص83.
4 - آيَة 22 الْبَقَرَة.
5 - قُرَّة عُيُون الْمُوَحِّدين ومجموعة التَّوْحِيد ص 30 - 1 3.

(1/430)


رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} 1.
كَذَلِك لم يُحَقّق الْإِخْلَاص لله تَعَالَى من أطَاع غَيره وَغير رَسُوله فِي تَحْلِيل مَا حرم الله أَو تَحْرِيم مَا أحل الله عَن رضَا وطمأنينة قلب - قَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 2 أَي اتَّبَعُوهُمْ فِي تَحْلِيل مَا حرم الله وَتَحْرِيم مَا أحل الله. فَسرهَا بذلك الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة من بعده 3.
هَذَا: هُوَ الْإِخْلَاص الْمُشْتَرط فِي الشَّهَادَة، فَالْعَمَل لَا يقبل إِذا لم يكن خَالِصا وَإِن كَانَ صَوَابا. قَالَ الفضيل بن عِيَاض: فِي قَوْله تَعَالَى: { ... لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ... } الْآيَة 4. قَالَ: "أخلصه وأصوبه. قَالُوا: يَا أَبَا عَليّ مَا أخلصه وأصوبه؟ قَالَ: إِن الْعَمَل إِذا كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يقبل، وَإِذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم يقبل، حَتَّى يكون خَالِصا صَوَابا. والخالص: أَن يكون لله. وَالصَّوَاب: أَن يكون على السّنة. وَذَلِكَ تَحْقِيق قَوْله تَعَالَى: { ... فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 5 6.
__________
1 - آيَة 56 - 57 الْإِسْرَاء.
2 - آيَة31 التَّوْبَة.
3 - انْظُر تَفْسِير ابْن كثير ج2 ص348 - 349.
4 - آيَة 2 الْملك.
5 - آيَة 110 الْكَهْف.
6 - انْظُر مَجْمُوع الْفَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام ج1 ص333.

(1/431)


الشَّرْط الرَّابِع: الصدْق الْمنَافِي للكذب.
الصدْق: لُغَة: مصدر صدق - تَقول: صدق يصدق صَدقا وصِدقا - يفتح وَيكسر وَالْكَسْر أفْصح - أَو الْفَتْح للمصدر، وَالْكَسْر للاسم. ضد الْكَذِب. وَهُوَ مُطَابقَة الْكَلَام للْوَاقِع بِحَسب اعْتِقَاد الْمُتَكَلّم. والشجاعة، والصلابة والشدة،

(1/431)


ومحض النَّصِيحَة والإخاء وكل مَا نسب إِلَى الْخَيْر وَالصَّلَاح أضيف إِلَى الصدْق وَالْأَمر الصَّالح لَا شية فِيهِ من نقص أَو كذب. وَفِي التَّنْزِيل قَوْله تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ... } الْآيَة 1 2
وَالْمرَاد هُنَا: أَن يَقُول الْمَرْء لَا إِلَه إِلَّا الله صَادِقا من قلبه بمعناها ومقتضاها صدقا منافياً للكذب.
قَالَ تَعَالَى: {الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ, وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} 3.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ, يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ, فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} 4.
وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ... } الْآيَة5.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} 6
وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 7.
__________
1 - آيَة 80 الْإِسْرَاء.
2 - انْظُر: لِسَان الْعَرَب مَادَّة صدق ج2 ص420 - 421. ومعجم متن اللغةج3 ص 434، والصحاح للجوهري مَادَّة صدق ج4 ص 1505 - 1506. والمعجم الْوَسِيط مَادَّة صدق ج1 ص511.
3 - آيَة1 - 3 العنكبوت.
4 - آيَة 8 - 10 الْبَقَرَة.
5 - آيَة 24 الْأَحْزَاب.
6 - آيَة 69 النِّسَاء.
7 - آيَة 119 الْمَائِدَة.

(1/432)


وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} 1.
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "من جَاءَ بِلَا إِلَه إِلَّا الله" 2.
وَقَالَ ابْن الْقيم: "هُوَ من شَأْنه الصدْق فِي قَوْله وَعَمله وحاله فالصدق فِي الْأَقْوَال: اسْتِوَاء اللِّسَان على الْأَقْوَال كاستواء السنبلة على سَاقهَا، والصدق فِي الْأَعْمَال: اسْتِوَاء الْأَفْعَال على الْأَمر والمتابعة كاستواء الرَّأْس على الْجَسَد، والصدق فِي الْأَحْوَال: اسْتِوَاء أَعمال الْقلب والجوارح على الْإِخْلَاص واستفراغ الوسع وبذل الطَّاقَة فبذلك يكون العَبْد من الَّذين جَاءُوا بِالصّدقِ وبحسب كَمَال هَذِه الْأُمُور فِيهِ وقيامها بِهِ تكون صدقيته" 3.
من كَلَام ابْن الْقيم يَتَّضِح أَن الصدْق الْوَاجِب وَهُوَ مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَات - بِمَعْنى الشَّهَادَة ومقتضاها قولا وَعَملا وَحَالا.
هَذِه بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب - وَهِي - كَمَا نرى - إِمَّا وَعِيد للكاذبين أَو وعد للصادقين.
أما الْأَدِلَّة من السّنة - فيضيق عَنْهَا الْمقَام - وَإِلَيْك الْبَعْض مِنْهَا:
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَعرَابِي الَّذِي علمه شرائع الْإِسْلَام: "أَفْلح إِن صدق " 4. وَهَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي شَرْطِيَّة الصدْق فِي الْأَقْوَال وَفِي الْأَعْمَال (فِي الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالزَّكَاة) وَهِي من مقتضيات لَا إِلَه إِلَّا الله.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي مُوسَى - وَمَعَهُ نفر من قومه - "ابشروا وبشروا من وَرَائِكُمْ: أَنه من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله صَادِقا بهَا دخل الْجنَّة" 5.
__________
1 - آيَة 33الزمر.
2 - الكواشف الجلية ص 22.
3 - مدارج السالكين ج2ص270.
4 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْإِيمَان بَاب: الزَّكَاة من الْإِسْلَام ج1ص106. وَمُسلم فِي الْإِيمَان بَاب: بَيَان الصَّلَوَات الَّتِي هِيَ أحد أَرْكَان الْإِسْلَام ج1ص166 - 167 عَن طَلْحَة بن عبيد الله.
5 - رَوَاهُ أَحْمد عَن أَبى مُوسَى ج4ص402.

(1/433)


وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ " ... مَا من أحد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صدقا من قلبه إِلَّا حرمه الله على النَّار ... " الحَدِيث1.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن عِيَاض الْأنْصَارِيّ رَفعه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "إِن لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة على الله كَرِيمَة لَهَا عِنْد الله مَكَان، وَهِي كلمة من قَالَهَا صَادِقا أدخلهُ الله بهَا الْجنَّة وَمن قَالَهَا كَاذِبًا، حقنت دَمه، وأحرزت مَاله، وَلَقي الله غَدا فحاسبه " 2.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن رِفَاعَة الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "أشهد عِنْد الله لَا يَمُوت عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله صِدقاً من قلبه ثمَّ يسدد إِلَّا سلك الْجنَّة" 3
هَذِه بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة الَّتِي تَأمر بِالصّدقِ بِلَا إِلَه إِلَّا الله. وَهِي كَمَا نرى - فِيهَا: وعد لمن قَالَهَا صَادِقا بِأَن يحرمه الله على النَّار ويدخله الْجنَّة. فَأَما من دخل النَّار من أهل هَذِه الْكَلِمَة فلقلة صدقه فِي قَوْلهَا، فَإِن هَذِه الْكَلِمَة إِذا صدق قَائِلهَا طهر قلبه من كل مَا سوى الله، وَمَتى بَقِي فِي الْقلب أثر سوى الله فَمن قلَّة الصدْق فِي قَوْلهَا 4. وَالْمرَاد بِالصّدقِ - الصدْق بمعناها ومقتضاها قولا وَعَملا وَحَالا - كَمَا اتَّضَح من قَوْله ابْن الْقيم رَحمَه الله - آنِفا. أما من قَالَهَا بِلِسَانِهِ فَقَط وَلم يواطئ قَوْله مَا فِي قلبه - كالمنافقين - فَقَوله كذب 5 وَلم يُحَقّق شَيْئا من هَذَا الشَّرْط. قَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا
__________
1 - رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أنس بن مَالك فِي كتاب الْعلم بَاب من خص الْعلم قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفهموا ج1 ص 226.
2 - رَوَاهُ الْبَزَّار والديلمي وَأَبُو نعيم عَن عِيَاض الْأَشْعَرِيّ. انْظُر. كشف الأستار عَن زَوَائِد الْبَزَّار ج1 ص10، والفردوس بمأثور الْخطاب جـ5 ص 8 حَدِيث 7281، وكنز الْعمَّال جـ1 ص 64 وَالْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج1ص875.
3 - رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده ج4 ص16.
4 - انْظُر: كلمة الْإِخْلَاص ص51.
5 - انْظُر: مُخْتَصر العقيدة الإسلامية ص58.

(1/434)


نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 1.
__________
1 - آيَة 1 المُنَافِقُونَ.

(1/435)


الشَّرْط الْخَامِس: الْمحبَّة.
الْمحبَّة لُغَة: اسْم للحب. وَالْحب: نقيض البغض، وَهُوَ الوداد كَمَا يَأْتِي وَيُرَاد بِهِ: الجرة، والخشابات الْأَرْبَع الَّتِي تُوضَع عَلَيْهَا الجرة ذَات العروتين - جمعه: أحباب، وحِببه، وحِبان، وحبوب 1.
وَفِي اصْطِلَاح الفلاسفة: ميل إِلَى الْأَشْخَاص أَو الْأَشْيَاء العزيزة أَو الجذابة أَو النافعة2.
وَالْمرَاد هُنَا: الْمحبَّة، وَهِي: الْمَوَدَّة وَالرَّغْبَة للا إِلَه إِلَّا الله، وَلما اقتضته ودلت عَلَيْهِ من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال محبَّة مُنَافِيَة لضدها. وَمن ذَلِك: أَن يكون الله سُبْحَانَهُ وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا، والمحبة لأَهْلهَا العاملين بهَا الملتزمين بشروطها، وبغض من نَاقض ذَلِك.
ذَلِك أَنه لَا يحصل لقائلها معرفَة وَقبُول إِلَّا بالمحبة، لِأَن الْمحبَّة تدل على الْإِخْلَاص الْمنَافِي للشرك، وَمن أحب الله تَعَالَى أحب دينه3.
قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ... } الْآيَة4.
وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ …} الْآيَة 5.
__________
1 - انْظُر: مُعْجم متن اللُّغَة مَادَّة حبب جـ2 ص6 - 8، ولسان الْعَرَب مَادَّة حبب ج1ص 544.
2 - المعجم الْوَسِيط ج1 ص151.
3 - انْظُر: مُخْتَصر العقيدة الإسلامية ص 38 وَبَيَان مسَائِل الْكفْر وَالْإِيمَان ص 167.
4 - آيَة 165 الْبَقَرَة.
5 - آيَة 54 الْمَائِدَة.

(1/435)


وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِه..} 2
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "ثَلَاث من كن فِيهِ وجد بِهن حلاوة الْإِيمَان: من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا، وَمن أحب عبدا لَا يُحِبهُ إِلَّا لله، وَمن يكره أَن يعود فِي الْكفْر بعد إِذْ أنقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار" 3.
وَعَن أبي رزين الْعقيلِيّ أَنه قَالَ يَا رَسُول الله مَا الْإِيمَان؟ فَقَالَ: "أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْك مِمَّا سواهُمَا ... " الحَدِيث 4.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من وَالِده وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ " 5.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من نَفسه " 6.
__________
1 - آيَة 31 آل عمرَان.
2 - آيَة 24 التَّوْبَة.
3 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْإِيمَان بَاب 14 جـ1 ص72، وَمُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب بَيَان خِصَال من اتّصف بِهن وجد حلاوة الْإِيمَان ج2 ص13.
4 - رَوَاهُ أَحْمد ج4 ص11.
5 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْإِيمَان بَاب حب الرَّسُول من الْإِيمَان ج1ص58 , وَمُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب وجوب محبَّة رَسُوله أَكثر من الْأَهْل ج2 ص15, وَأحمد فِي مُسْنده ج3 ص177, 207.عَن أنس.
6 - رَوَاهُ أَحْمد عَن زهرَة بن معِين عَن جده قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ آخذ بيد عمر…" مُسْند أَحْمد ج4 ص336.

(1/436)


هَذِه بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة الَّتِي تؤكد وجوب محبَّة الله وَرَسُوله وتقديمهما على كل مَحْبُوب. وَهُوَ مَا تَقْتَضِيه لَا إِلَه إِلَّا الله وَعَلِيهِ فالمحبة لله وَرَسُوله الْمَشْرُوطَة - هُنَا - لابد أَن تكون أَكثر من محبَّة غَيرهمَا.
وَانْتِفَاء هَذِه الْمحبَّة ردة - كَمَا قَالَ ابْن تيميه - وَهُوَ يتَكَلَّم عَن الْمُرْتَد ".... أَو كَانَ مبغضاً لرَسُوله أَو لما جَاءَ بِهِ اتِّفَاقًا"1.
بل إِن من سَاوَى بَين محبَّة الله وَرَسُوله وَبَين محبَّة غَيرهمَا فَلَيْسَ بِمُؤْمِن فضلا عَمَّن أحب مَا سوى الله وَرَسُوله أَكثر من محبتهما. قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ... } الْآيَة 2.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الآنف ذكره عِنْدَمَا سَأَلَهُ أَبُو رزين عَن الإِيمان فَقَالَ: "أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْك مِمَّا سواهُمَا" 3.
ومحبة الله وَرَسُوله لَا تتَحَقَّق إِلَّا بِاتِّبَاع مَا بلغه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ... } الْآيَة 4.
قَالَ ابْن كثير: "هَذِه الْآيَة حاكمة على كل من ادّعى محبَّة الله وَلَيْسَ هُوَ على الطَّرِيقَة المحمدية بِأَنَّهُ كَاذِب ... حَتَّى يتبع الشَّرْع المحمدي وَالدّين النَّبَوِيّ فِي جَمِيع أَقْوَاله وأفعاله" 5.
وَقَالَ يحي بن معَاذ: "لَيْسَ بصادق من ادّعى محبَّة الله وَلم يحفظ حُدُوده" 6.
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب النهرجوري: "كل من ادّعى محبَّة الله وَلم يُوَافق الله فِي أمره فدعواه بَاطِلَة" 7.
__________
1 - الْإِقْنَاع جـ4 ص 297.
2 - آيَة 165 الْبَقَرَة.
3 - سبق تَخْرِيجه.
4 - آيَة 31آل عمرَان.
5 - تَفْسِير ابْن كثير جـ1 ص 358.
6 - جَامع الْعُلُوم وَالْحكم ص340.
7 - نفس الْمصدر السَّابِق.

(1/437)


وَمن تَمام محبَّة الله محبَّة مَا يُحِبهُ وَكَرَاهَة مَا يكرههُ. فَمن أحب شَيْئا مِمَّا يكرههُ الله أَو كره شَيْئا مِمَّا يُحِبهُ الله لم يكمل توحيده وَصدقه فِي قَول لَا إِلَه إِلَّا الله، وَكَانَ فِيهِ من الشّرك بِحَسب مَا كرهه مِمَّا يُحِبهُ الله، وَمَا أحبه مِمَّا يكرههُ الله. وَلذَلِك ذمّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَؤُلَاءِ فَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 1 وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 2 3.
وَفِي صَحِيح الْحَاكِم عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "الشّرك فِي هَذِه الْأمة أخْفى من دَبِيب النَّمْل على الصَّفَا فِي اللَّيْلَة الظلماء وَأَدْنَاهُ أَن تحب على شَيْء من الْجور أَو تبغض على شَيْء من الْعدْل ... " الحَدِيث 4. قَالَ ابْن رَجَب - بعد سِيَاقه هَذَا الحَدِيث - "وَهَذَا نَص فِي أَن محبَّة مَا يكرههُ الله وبغض مَا يُحِبهُ مُتَابعَة للهوى، والموالاة على ذَلِك والمعاداة فِيهِ من الشّرك الْخَفي" 5.
وعلامة حب العَبْد ربه تَقْدِيم محابه وَإِن خَالَفت هَوَاهُ، وبغض مَا يبغض ربه وَإِن مَال إِلَيْهِ هَوَاهُ، وموالاة من والى الله وَرَسُوله ومعاداة من عَادَاهُ، وَاتِّبَاع سنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتقديمها على غَيرهَا من السّنَن 6.
وَمن الْمَعْلُوم أَن الْجَوَارِح تعْمل - فِي الْغَالِب - بِمُقْتَضى الْحبّ والبغض، يَدْفَعهَا حب الشَّيْء إِلَى عمله وبغض الشَّيْء إِلَى تَركه وَلذَا إِذا تمكنت محبَّة الله تَعَالَى فِي الْقلب لم تنبعث الْجَوَارِح إِلَّا إِلَى طَاعَته عز وَجل وَهَذَا - كَمَا قَالَ ابْن رَجَب 7 - هُوَ معنى الحَدِيث الإلهي الَّذِي خرّجه البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
__________
1 - آيَة 9 مُحَمَّد.
2 - آيَة 28 مُحَمَّد.
3 - انْظُر: كلمة الْإِخْلَاص ص38, وجامع الْعُلُوم وَالْحكم ص340, والدر المنثور ج2 ص17.
4 - رَوَاهُ الْحَاكِم فِي التَّفْسِير (تَفْسِير آل عمرَان) ج2 ص291, وَأبي نعيم فِي الْحِلْية ج9 ص253.
5 - كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب ص39.
6 - معارج الْقبُول ج2 ص424.
7 - انْظُر: كلمة الْإِخْلَاص ص43. والدر المنثور ج2 ص17. وجامع الْعُلُوم وَالْحكم ص320.

(1/438)


عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ربه - وَفِيه " ... وَلَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا ... "
الحَدِيث 1.
قَالَ الْفَاكِهَانِيّ: "يحْتَمل ... أَن يكون معنى سَمعه مسموعه، لِأَن الْمصدر قد جَاءَ بِمَعْنى الْمَفْعُول مثل فلَان أملي بمعني مأمولي، وَالْمعْنَى أَنه لَا يسمع إِلَّا ذكري وَلَا يلتذ إِلَّا بِتِلَاوَة كتابي وَلَا يأنس إِلَّا بمناجاتي وَلَا ينظر إِلَّا فِي عجائب ملكوتي وَلَا يمد يَده إِلَّا فِي رضاي وَرجله كَذَلِك". وَبِمَعْنَاهُ قَالَ ابْن هُبَيْرَة 2 - وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه ابْن رَجَب - آنِفا - فِي معنى الحَدِيث.
__________
1 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الرقَاق بَاب التَّوَاضُع ج11 ص240 - 241, وَانْظُر: جَامع الْأُصُول حَدِيث7282.
2 - فتح الْبَارِي ج11ص344.

(1/439)


الشَّرْط السَّادِس: الانقياد.
الانقياد: لُغَة: الخضوع والذل. تَقول قدته فانقاد واستقاد لي - إِذا أَعْطَاك مقادته.
وَفِي حَدِيث عَليّ: قُرَيْش قادة ذادة. أَي يقودون الجيوش. وَهُوَ جمع قَائِد 1.
وَالْمرَاد هُنَا: الانقياد التَّام للا إِلَه إِلَّا الله وَلما اقتضته ظَاهرا وَبَاطنا انقياداً منافياً للترك.
وَيحصل الانقياد بِالْعَمَلِ بِمَا فَرْضه الله وَترك مَا حرمه والتزام ذَلِك. لِأَن الْإِسْلَام حَقِيقَة: أَن يسلم العَبْد بِقَلْبِه وجوارحه لله، وينقاد لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة.2
__________
1 - انْظُر: لِسَان الْعَرَب مَادَّة قَود ج3 ص184, والصحاح للجوهري مَادَّة قَود ج1 ص525, والمعجم الْوَسِيط مَادَّة قَود ج2ص765.
2 - انْظُر: مُخْتَصر العقيدة الإسلامية ص58.

(1/439)


قَالَ تَعَالَى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} 1.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ... } 2.
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ... } 3.
والآيات - كَمَا نرى - تدل على وجوب الْإِسْلَام لله تَعَالَى.
وَالْمرَاد هُوَ: الاستسلام لله بِالتَّوْحِيدِ والانقياد لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عيه وَسلم عَن ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالطَّاعَةِ، وَذَلِكَ بِالْعَمَلِ بِمَا فَرْضه الله وَترك مَا حرمه والتزام ذَلِك. وَلَا ينْتَفع قَائِل لَا اله إِلَّا الله بهَا إِلَّا بِهَذَا الانقياد. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ... } الْآيَة4. والعروة الوثقى - كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَابْن جُبَير وَالضَّحَّاك - هِيَ: لَا إِلَه إِلَّا الله 5.
وكما أَن الاستسلام لله وَاجِب كَذَلِك الاستسلام لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجِب، فَلَا يُسمى الْإِنْسَان مُؤمنا إِلَّا بِهِ وَلذَا أقسم الْحق بِنَفسِهِ مؤكداً هَذَا الْوَاجِب. فَقَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 6.
قَالَ ابْن الْقيم - فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة - أقسم سُبْحَانَهُ على نفي الْإِيمَان عَن الْعباد حَتَّى يحكموا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل مَا شجر بَينهم"7.
__________
1 - آيَة 54 الزمر.
2 - آيَة 125 النِّسَاء.
3 - آيَة 30 فصلت.
4 - آيَة 22 لُقْمَان.
5 - انْظُر: تَفْسِير ابْن عَبَّاس ج4 ص219, وَابْن كثير ج1 ص311.
6 - آيَة 65 النِّسَاء.
7 - إِعْلَام الموقعين ج1 ص51.

(1/440)


وَقَالَ الدكتور عبد الْحَلِيم مَحْمُود: "والتحكيم إِذا كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَال حَيَاته فَإِنَّهُ لسنته وتعاليمه بعد انْتِقَاله إِلَى الرفيق الْأَعْلَى"1.
هَذِه بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب.
أما من السّنة: فَمِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ أطَاع بهَا قلبه وذل بهَا لِسَانه، وَشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حرمه الله على النَّار" 2.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لَا تزَال لَا إِلَه إِلَّا الله تَنْفَع من قَالَهَا وَترد عَنْهُم الْعَذَاب والنقمة مَا لم يستخفوا بِحَقِّهَا". قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا الاستخفاف بِحَقِّهَا؟ قَالَ: "أَن يظْهر الْعَمَل بمعاصي الله فَلَا يُنكر وَلَا يُغير" 3.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لَا يحل دم امْرِئ مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: الثّيّب الزَّانِي وَالنَّفس بِالنَّفسِ، والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة" 4.
هَذِه الْأَحَادِيث - كَمَا نرى - تدل على وجوب الانقياد للا إِلَه إِلَّا الله إِذْ فِي الحَدِيث الأول وعد لمن انْقَادَ بِأَن يحرمه الله على النَّار وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّالِث - وَعِيد لمن لم ينقاد - فِي الحَدِيث الثَّانِي: بِعَدَمِ نفع لَا إِلَه إِلَّا الله. وَالثَّالِث: بِإِبَاحَة دَمه.
وَهَذَا الانقياد الْمَشْرُوط للا إِلَه إِلَّا الله. لَا يكون تَاما كَامِلا إِلَّا بِاتِّبَاع
__________
1 - دَلَائِل النُّبُوَّة ومعجزات الرَّسُول (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ص 264.
2 - رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن سعد ابْن عبَادَة. انْظُر: كنز الْعمَّال حديت 207، وَالْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج1ص810.
3 - رَوَاهُ الْحَاكِم والأصبهاني عَن إبان عَن أنس انْظُر: الْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج1ص 889، وكنز الْعمَّال حَدِيث 223 ج 1ص 63، وَالتَّرْغِيب والترهيب ج3 ص 231.
4 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الدِّيات بَاب قَوْله تَعَالَى:: {النَّفس بِالنَّفسِ…} جـ12 ص 201 وَمُسلم فِي الْقسَامَة بَاب مَا يُبَاح بِهِ دم الْمُسلم جـ11 ص 164، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ انْظُر: جَامع الْأُصُول حَدِيث 7729 جـ10 ص 213 (الْمَتْن والحاشية) .

(1/441)


جَمِيع مَا بلغه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يكون هَوَاهُ وَهُوَ مَا تميل إِلَيْهِ النَّفس. تبعا لما جَاءَ بِهِ الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَلذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يكون هَوَاهُ تبعا لما جِئْت بِهِ " 1. وَالْمرَاد نفي الْإِيمَان الْكَامِل.
وَفِي رِوَايَة "لن يستكمل مُؤمن إيمَانه حَتَّى يكون هَوَاهُ تبعا لما جِئْت بِهِ " 2.
__________
1 - رَوَاهُ الْخَطِيب فِي تَارِيخه ج4 ص 369، والحكيم وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الْإِبَانَة عَن ابْن عَمْرو وَقَالَ: حسن غَرِيب. انْظُر: الْجَامِع الْكَبِير للسيوطي جـ1 ص 918.
2 - رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن ابْن عمر. انْظُر: الدّرّ المنثور ج2 ص 17.

(1/442)


الشَّرْط السَّابِع: الْقبُول.
الْقبُول لُغَة: مصدر قبل الشَّيْء وتقبله.
وَهُوَ يرد لمعانٍ.. مِنْهَا: أَخذ الشَّيْء عَن طيب خاطر.
تَقول: قبلت الْهَدِيَّة أقبلها قبولاً. إِذا أَخَذتهَا.
والرضاء بالشَّيْء: تَقول: قبلت الشَّيْء أقبله قبولاً، إِذا رضيته وميل النَّفس إِلَى الشَّيْء. تَقول: على فلَان قبُول، إِذا قبلته النَّفس. وَفِي الحَدِيث: "ثمَّ يوضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض "1.
وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف: الْمحبَّة والرضاء بالشَّيْء، وميل النَّفس إِلَيْهِ.
كَمَا يَأْتِي الْقبُول: وَيُرَاد بِهِ الصِّبَا - وَهِي: ريح تقَابل الدبور. قَالَ الأخطل:
(......................... ... فَإِن الرّيح طيبَة قبُول)
وَيَأْتِي أَيْضا - وَيُرَاد بِهِ الْقَابِلَة من النِّسَاء - وَهِي: الْمَرْأَة الَّتِي تَأْخُذ الْوَلَد عِنْد الْولادَة.
__________
1 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب بَدْء الْخلق بَاب 6 ج 6ص 303. وَمُسلم فِي كتاب الْبر بَاب إِذا أحب الله عبدا وضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض ج16 ص 184 عَن أبي هُرَيْرَة.

(1/442)


قَالَ الْأَعْشَى: "...... كصرخة حُبْلَى أسلمتها قبيلها" ويروى: "قبُولهَا" أَي: يئست مِنْهَا 1
وَالْمرَاد هُنَا: الْقبُول للا إِلَه إِلَّا الله وَلما اقتضته بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان وَسَائِر الْجَوَارِح قبولاً منافياً للرَّدّ فَلَا يرد هَذِه الْكَلِمَة أَو شَيْئا من مقتضياتها، الَّتِي جَاءَ بهَا الْحق بِوَاسِطَة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن الشَّهَادَة قد يَقُولهَا من يعرف مَعْنَاهَا لكنه لَا يقبل مِمَّن دَعَاهُ إِلَيْهَا بعض مقتضياتها إِمَّا كبرا أَو حسداً أَو غير ذَلِك. فَهَذَا لم يُحَقّق شَرط الْقبُول2.
والأدلة على هَذَا الشَّرْط من الْكتاب وَالسّنة كَثِيرَة.
مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} 3 وَجه الدّلَالَة: أَن الله تَعَالَى وعد فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ بالنجاة والنصر للْمُؤْمِنين الَّذين قبلوا مَا تضمنته الشَّهَادَة.
وَقَوله تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ, وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ, بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ, إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ, وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ, إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ, أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ, فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ, فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} .4
فَفِي هَذِه الْآيَات - كَمَا نرى - وَعِيد بِالْعَذَابِ الْأَلِيم فِي الْآخِرَة لمن لم يقبل
__________
1 - انْظُر: لِسَان الْعَرَب مَادَّة قبل ج3 ص11 - 14 والصحاح للجوهري ج5 ص1795 - 1796, ومعجم أَلْفَاظ لقرآن الْكَرِيم ج2 ص 174.
2 - انْظُر: مُخْتَصر العقيدة الإسلامية ص 38.
3 - آيَة 47 الرّوم.
4 - آيَة 35 - 43 الصافات.

(1/443)


معنى لَا إِلَه إِلَّا الله وَمَا تضمنه من الْإِيمَان برسالة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أَن فِيهَا وَعدا بالنعيم فِي جنَّات النَّعيم لمن قبل ذَلِك.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ, أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب, وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ , مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ, أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} 1.
فِي هَذِه الْآيَات - أَيْضا - بَيَان بِأَن الْعَذَاب الَّذِي سيذوقه الْكفَّار فِي الْآخِرَة سَببه تكذيبهم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وردهم مَا بلغه إِلَيْهِم من معنى الشَّهَادَة.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ, قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ, فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 2.
وَفِي هَذِه الْآيَات - أَيْضا - إِخْبَار بِأَن عَاقِبَة المكذبين بالرسل الْعَذَاب لردهم مَا تضمنته لَا إِلَه إِلَّا الله.
فالآيات - كَمَا نلاحظ - إِمَّا وعد بالنعيم لمن قبل معنى لَا إِلَه إِلَّا الله. أَو وَعِيد بِالْعَذَابِ لمن لم يقبل ذَلِك.
كل ذَلِك دَلِيل على اشْتِرَاط الْقبُول.
هَذِه بعض الْآيَات القرآنية الَّتِي تَضَمَّنت اشْتِرَاط الْقبُول لِمَعْنى الشَّهَادَة.
وَأما من السّنة فَمِنْهَا: مَا روى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "مثل مَا بَعَثَنِي الله بِهِ من الْهدى وَالْعلم كَمثل غيث أصَاب أَرضًا فَكَانَت مِنْهَا طَائِفَة طيبَة قبلت المَاء فأنبتت الْكلأ والعشب الْكثير، وَكَانَ
__________
1 - آيَة 4 - 8 ص.
2 - آيَة 2 3 - 25 الزخرف.

(1/444)


مِنْهَا أجادب أَمْسَكت المَاء فنفع الله بهَا النَّاس فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسقوا وزرعوا، وَأصَاب طَائِفَة مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قيعان لَا تمسك مَاء وَلَا تنْبت كلأ. فَذَلِك مثل من فقه فِي دين الله ونفعه مَا بَعَثَنِي الله بِهِ فَعلم وَعلم، وَمثل من لم يرفع بذلك رَأْسا وَلم يقبل هدى الله الَّذِي أرْسلت بِهِ" 1 مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَالشَّاهِد: قَوْله " ... وَلم يقبل هدى الله الَّذِي أرْسلت بِهِ ".
وَمن هَدْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله (مَعْنَاهَا ومقتضاها) والْحَدِيث ظَاهر فِي عدم انْتِفَاع من لم يقبل ذَلِك الْهدى. وَعَلِيهِ فَلَا ينْتَفع قَائِل الشَّهَادَة إِذا لم يقبل مَعْنَاهَا ومقتضاها.
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "من قبل مني الْكَلِمَة الَّتِي عرضتها على عمي فَردهَا عَليّ، فَهِيَ لَهُ نجاة" 2.
وَالشَّاهِد: قَوْله "من قبل مني الْكَلِمَة ... " حَيْثُ اشْترط الْقبُول للشَّهَادَة حَتَّى ينجو صَاحبهَا. كل ذَلِك دَلِيل على اشْتِرَاط الْقبُول للشَّهَادَة.
وَبِذَلِك يَتَّضِح أَن الْقبُول للا إِلَه إِلَّا الله وَلما اقتضته يتَحَقَّق بِالْقَلْبِ، وَذَلِكَ بانشراحه لهَذِهِ الْكَلِمَة وَلما اقتضته من أوَامِر ونواهي. وباللسان وَسَائِر الْجَوَارِح، فَلَا يتَكَلَّم أَو يعْمل عملا فِيهِ رد لهَذِهِ الْكَلِمَة أَو شَيْئا من مقتضياتها. وَالله أعلم.
__________
1 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْعلم بَاب فضل من علم وَعلم ج1 ص175, وَمُسلم فِي الْفَضَائِل بَاب: مثل مَا بُعِث بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ج15 ص 46، وَأحمد ج4 ص 399.
2 - رَوَاهُ أحمدج1ص 6، والخطيب فِي تَارِيخه ج1ص272, وَالْبَزَّار انْظُر: كثف الأستار عَن زَوَائِد الْبَزَّار ج1ص9, وَأَبُو يعلى فِي مُسْنده ج1ص21, وَابْن أبي شيبَة، وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بكر الصّديق وَصَححهُ. انْظُر: الْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج1ص815, وكنز الْعمَّال حَدِيث 164 ج1ص53.

(1/445)


الخاتمة
بِسم الله بدأنا وَبِحَمْدِهِ وَالشُّكْر لَهُ ختمنا، وَنُصَلِّي ونسلم على نَبينَا مُحَمَّد وَصَحبه، وَبعد: فَإلَى الْقَارئ الْكَرِيم بعض النتائج الَّتِي توصلت إِلَيْهَا فِي هَذَا الْبَحْث المتواضع، إِنَّه من دراستي لشهادة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله - مَعْنَاهَا، وتحقيقها، وَمَتى ينْتَفع الْإِنْسَان بهَا، وأركانها، وشروطها. توصلت إِلَى نتائج مهمة مِنْهَا مَا يَلِي:
الأولى: أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله، هُوَ: لَا معبود بحقِ إِلَّا الله، وَأَن الْإِلَه هُوَ: المألوه أَي المعبود. وَأَنه بِهَذَا يبطل مَا يَعْتَقِدهُ عباد الْقُبُور الْيَوْم وأمثالهم من أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله هُوَ الْإِقْرَار بِوُجُود الله، أَو أَنه هُوَ الْخَالِق الْقَادِر على الاختراع وَأَشْبَاه ذَلِك أَو أَن مَعْنَاهَا لَا حاكمية إِلَّا لله، وَأَن من أقرّ بذلك فقد حقق التَّوْحِيد الْمُطلق وَلَو فعل مَا فعل من عبَادَة غير الله كالاعتقاد بالأموات، وَالطّواف بقبورهم والتبرك بتربهم وَنَحْو ذَلِك.
الثَّانِيَة: أَن تَحْقِيق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، هُوَ: أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَحده بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان وَسَائِر الْجَوَارِح، فَلَو عبدناه بِالْقَلْبِ وَحده لأصبحنا معاندين كفرعون وَمن على شاكلته وَلَو عبدناه بِاللِّسَانِ وَسَائِر الْجَوَارِح من دون الْقلب لأصبحنا منافقين. وَلَو عبدناه بِاللِّسَانِ وَحده لأصبحنا كَافِرين، فلابد من اجْتِمَاع الْأُمُور الثَّلَاثَة، مَعَ نفي اسْتِحْقَاق أَي مَخْلُوق لأي نوع من أَنْوَاع الْعِبَادَة الَّتِي لَا تصح إِلَّا لله.
الثَّالِثَة: أَن قَائِل لَا إِلَه إِلَّا الله لَا ينْتَفع بهَا إِلَّا إِذا حقق أَرْكَانهَا وشروطها وَمَات على ذَلِك لم يرتكب ناقضاً من نواقضها، وَأَن قَول من قَالَ بِأَن مُجَرّد التَّلَفُّظ بهَا يَكْفِي وهم بَاطِل.
الرَّابِعَة: أَن أَرْكَان لَا إِلَه إِلَّا الله: هِيَ أجزاؤها الَّتِي لَا تتَحَقَّق بِدُونِهَا

(1/446)


وَهِي: اثْنَان، نفي: وحدّ5 لَا إِلَه، وَالْمرَاد بِهِ نفي الإلهية الحقة عَمَّا سوى الله من سَائِر الْمَخْلُوقَات. وَالْإِثْبَات: وحدّه إِلَّا الله، وَالْمرَاد بِهِ إِثْبَات الإلهية الحقة لله وَحده لَا شريك لَهُ فِي عِبَادَته كَمَا أَنه لَا شريك لَهُ فِي ملكه
الْخَامِسَة: أَن شُرُوط الشَّيْء هِيَ الَّتِي لَا يَصح إِلَّا بتوفرها، وَلذَا فَإِن لَا إِلَه إِلَّا الله لَا تصح إِلَّا بتوفر شُرُوطهَا، وَهِي سَبْعَة، الْعلم، وَالْيَقِين، وَالْإِخْلَاص، والصدق، والمحبة، والانقياد، وَالْقَبُول.
السَّادِسَة: أَن الْعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله (بمعناها ومقتضاها المستلزم للْعَمَل) أحد شُرُوطهَا الَّتِي لَا تصح إِلَّا بهَا، وَأَن الْعلم بهَا يتَفَاوَت، وبقدر الْعلم وَالْجهل يحصل التَّفَاضُل فِي الْإِيمَان بهَا.
السَّابِعَة: أَن الْيَقِين بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله الْمنَافِي للشَّكّ أحد شُرُوطهَا الَّتِي لَا تصح إِلَّا بهَا، وَهُوَ الْفَارِق بَين الْمُؤمن وَالْمُنَافِق، بل إِنَّه أصل الْإِيمَان - كَمَا قَالَ ابْن حجر، وَأَن القَوْل بِأَن التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِدُونِ استيقان الْقلب كَاف فِي الْإِيمَان مَذْهَب غلاة المرجئة، وَهُوَ قَول بَاطِل بِدَلِيل النُّصُوص الْكَثِيرَة من الْكتاب وَالسّنة وَلما يلْزمه من تسويق النِّفَاق، وَالْحكم لِلْمُنَافِقِ بِالْإِيمَان الصَّحِيح، وَهُوَ بَاطِل قطعا.
الثَّامِنَة: أَن الْإِخْلَاص لله تَعَالَى فِيمَا تَقْتَضِيه لَا إِلَه إِلَّا الله من الْعُبُودِيَّة لله وَحده لَا شريك لَهُ، أحد شُرُوط لَا إِلَه إِلَّا الله الَّتِي لَا تصح إِلَّا بهَا، بل هُوَ حَقِيقَة الْإِسْلَام وَأَن المخلص: هُوَ من كَانَت أَعماله كلهَا لله سَوَاء كَانَت قلبية أَو قوليه أَو عملية لَا يَدْفَعهُ إِلَيْهَا إِلَّا محبَّة الله وخوفه ورجاؤه وَحده لَا شريك لَهُ
التَّاسِعَة: أَنه لم يُحَقّق الإِخلاص لله تَعَالَى من دَعَا غَيره مهما كَانَت مَنْزِلَته من نَبِي أَو غَيره، أَو استشفع بجاههم أَو ذاتهم فِي طلب خير أَو كشف ضرّ. أَو أطَاع غَيره سُبْحَانَهُ وَغير رَسُوله فِي تَحْلِيل مَا حرم الله أَو تَحْرِيم مَا أحل الله عَن رضَا وطمأنينة قلب.

(1/447)


الْعَاشِرَة: أَن الصدْق بِمَعْنى لَا إِلَه إِلَّا الله ومقتضاها قولا وَعَملا وَحَالا أحد شُرُوطهَا الَّتِي لَا تصح إِلَّا بهَا.
الْحَادِيَة عشر: أَن من شُرُوط لَا إِلَه إِلَّا الله الْمحبَّة لَهَا وَلما اقتضته ودلت عَلَيْهِ من أَقْوَال وأفعال محبَّة مُنَافِيَة لضدها، وَمن ذَلِك أَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا والمحبة لأَهْلهَا العاملين بهَا وبغض من نَاقض ذَلِك. وَانْتِفَاء هَذِه الْمحبَّة ردة بل إِن من سَاوَى بَين محبَّة الله وَرَسُوله وَبَين محبَّة غَيرهمَا فَلَيْسَ بِمُؤْمِن فضلا عَمَّن أحب مَا سوى الله وَرَسُوله أَكثر من محبتهما. وَهَذِه الْمحبَّة لَا تتَحَقَّق إِلَّا بِاتِّبَاع مَا بلّغه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن تَمام هَذِه الْمحبَّة محبَّة مَا يُحِبهُ الله وَكَرَاهَة مَا يكرههُ.
وعلامة محبَّة العَبْد ربه تَقْدِيم محابه وَإِن خَالَفت هَوَاهُ، وبغض مَا يبغض ربه وَإِن مَال إِلَيْهِ هَوَاهُ، وموالاة من والى الله وَرَسُوله ومعاداة من عَادَاهُ وَاتِّبَاع سنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتقديمها على غَيرهَا من السّنَن. وَمَتى تمكنت هَذِه الْمحبَّة فِي الْقلب لم تنبعث الْجَوَارِح إِلَّا إِلَى طَاعَته عز وَجل.
الثانْية عشر: أَن الانقياد التَّام للا إِلَه إِلَّا الله وَلما اقتضته ظَاهرا وَبَاطنا انقياداً منافياً للترك، أحد شُرُوط لَا إِلَه إِلَّا الله. وَيحصل هَذَا الانقياد بِالْعَمَلِ بِمَا فَرْضه الله وَترك مَا حرمه وَالْتزم ذَلِك وَهَذَا الانقياد لَا يكون تَاما إِلَّا باتباعِ جَمِيع مَا بلغه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يكون هَوَاهُ، وَهُوَ مَا تميل إِلَيْهِ النَّفس تبعا لما جَاءَ بِهِ الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
الثَّالِثَة عشر: أَن من شُرُوط لَا إِلَه إِلَّا الله الْقبُول لَهَا بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان وسائرِ الْجَوَارِح، وَذَلِكَ بانشراحه لهَذِهِ الْكَلِمَة، وَلما اقتضته، وَألا يتَكَلَّم أَو يعْمل شَيْئا فِيهِ رد لهَذِهِ الْكَلِمَة أَو لشَيْء من مقتضياتها.
وَالله أعلم وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم.

(1/448)


مصَادر ومراجع
...
فهرس المراجع
1 - الْقُرْآن الْكَرِيم.
2 - إتحاف الْمُسلمين بِمَا تيَسّر من أَحْكَام الدّين - عبد الْعَزِيز المحمد السلمان - ط الأولى 1403 هـ - مطابع الإشعاع.
3 - إحْيَاء عُلُوم الدّين - أبي حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ - دَار الْمعرفَة للطباعة والنشر، بيروت لبنان.
4 - أصُول الْفِقْه الإسلامي - زكي الدّين شعْبَان - ط 1988م - مؤسسة الصَّباح للنشر والتوزيع.
5 - إِعْلَام الموقعين عَن رب الْعَالمين - شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر الْمَعْرُوف بِابْن قيم الجوزية - ط 1388 هـ - الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية.
6 - الْإِقْنَاع - لشيخ الْإِسْلَام أبي النجا شرف الدّين مُوسَى الحجاوي الْمَقْدِسِي - دَار الْمعرفَة، بيروت لبنان.
7 - بَيَان مسَائِل الْكفْر وَالْإِيمَان - عمر عبد القيوم أَحْمد - ط الأولى 1413 هـ - مطابع الْبَادِيَة للأوفست.
8 - تَاج الْعَرُوس من جَوَاهِر الْقَامُوس - مُحَمَّد مرتضى الزبيدِيّ - ط الأولى 1306 هـ - دَار مكتبة الْحَيَاة، بيروت.
9 - تَارِيخ بَغْدَاد - لِلْحَافِظِ أبي بكر أَحْمد بن عَليّ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ - دَار الْفِكر للطباعة والنشر.
10 - الرسَالَة التدمرية لشيخ الْإِسْلَام ابْن تيميه - تَحْقِيق زُهَيْر الشاويش - ط الثَّالِثَة 1400 هـ - الْمكتب الإسلامي.
11 - التَّرْغِيب والترهيب - لِلْحَافِظِ زكي الدّين عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْمُنْذِرِيّ - ط 1407 هـ - دَار الحَدِيث المعاصرة.
12 - التعريفات - للعلامة عَليّ بن مُحَمَّد الشريف الْجِرْجَانِيّ - ط 1978م - مكتبة لبنان، بيروت.
13 - تَفْسِير الْبَغَوِيّ - للْإِمَام محيي السّنة أبي مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ - دَار طيبَة للنشر والتوزيع 1412 هـ.
14 - تَفْسِير ابْن عَبَّاس - المطبوع بحاشية الدّرّ المنثور للسيوطي - دَار الْمعرفَة بيروت، لبنان.

(1/449)


16 - تَفْسِير المراغي - أَحْمد مصطفى المراغي - ط الثَّانِيَة 1985 م - دَار إحْيَاء التراث الْعَرَبِيّ، بيروت.
17 - التَّمْهِيد فِي الرَّد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة - أبي بكر مُحَمَّد بن الطّيب بن الباقلاني - ط 1366 هـ - الناشر: دَار الْفِكر الْعَرَبِيّ.
18 - تيسير الْعَزِيز الحميد فِي شرح كتاب التَّوْحِيد - للشَّيْخ سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب - مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
19 - جَامع الْأُصُول فِي أَحَادِيث الرَّسُول - مجد الدّين أبي السعادات الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن الْأَثِير الْجَزرِي - ط 1389 هـ - الناشر: مكتبة الْحلْوانِي، مطبعة الملاح، مكتبة دَار الْبَيَان.
20 - جَامع الْعُلُوم وَالْحكم فِي شرح خمسين حَدِيثا من جَوَامِع الْكَلم - عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين أَحْمد بن رَجَب - مطبعة مصطفى البابي الْحلَبِي وَأَوْلَاده بِمصْر، الْقَاهِرَة 1382 هـ.
21 - الْجَامِع الْكَبِير - للعلامة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن السُّيُوطِيّ - نُسْخَة مصورة عَن مخطوطة دَار الْكتب المصرية رقم 95، الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة للْكتاب.
22 - حَقِيقَة لَا اله إِلَّا الله - صَالح الفوزان - ط الأولى - مكتبة السّنة بِالْقَاهِرَةِ 1412 هـ.
23 - الدّرّ المنثور فِي التَّفْسِير بالمأثور - للْإِمَام جلال الدّين السُّيُوطِيّ - دَار الْمعرفَة بيروت، لبنان.
24 - دَلَائِل النُّبُوَّة ومعجزات الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عبد الْحَلِيم مَحْمُود - ط 1405 هـ - مؤسسة دَار الشّعب بِالْقَاهِرَةِ.
25 - رَوْضَة النَّاظر وجنة المناظر - موفق الدّين عبد الله بن أَحْمد بن قدامَة الْمَقْدِسِي - ط 1385 هـ - المطبعة السلفية ومكتبتها بِالْقَاهِرَةِ.
26 - سنَن التِّرْمِذِيّ - مُحَمَّد بن عِيسَى بن سُورَة التِّرْمِذِيّ - ط الأولى 1385 هـ - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الْحلَبِي وَأَوْلَاده.
27 - الصِّحَاح - إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد الْجَوْهَرِي - ط 1376 هـ - مطابع دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ بِمصْر.
28 - صَحِيح البُخَارِيّ - للْإِمَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ (المطبوع مَعَ شَرحه فتح الْبَارِي) - نشر وتوزيع رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة الْعَرَبيَّة السعودية.

(1/450)


29 - صَحِيح ابْن حبَان - لِلْحَافِظِ مُحَمَّد بن حبَان البستي - ط الأولى 1404 هـ.
30 - صَحِيح مُسلم - للْإِمَام مُسلم بن الْحجَّاج بن مُسلم الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي (المطبوع مَعَ شَرحه للنووي) - ط 1401 هـ - دَار الْفِكر للطباعة والنشر.
31 - الْعدة لأصول الْفِقْه - للْقَاضِي أبي يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء الْبَغْدَادِيّ - ط الأولى 1400 هـ - مؤسسة الرسَالَة بيروت، لبنان.
32 - فتح الْبَارِي - للْإِمَام أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي - نشر وتوزيع رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ... بالمملكة الْعَرَبيَّة السعودية.
33 - فتح الْقَدِير - مُحَمَّد بن عَليّ الشَّوْكَانِيّ - ط 1401 هـ - دَار الْفِكر للنشر والتوزيع.
34 - فتح الْمجِيد - عبد الرَّحْمَن بن حسن آل الشَّيْخ - ط السَّابِعَة 1377 هـ - مطبعة السّنة المحمدية بِالْقَاهِرَةِ.
35 - الفردوس بمأثور الْخطاب - أبي شُجَاع شيرويه شهر دَار بن شيرويه الديلمي - ط الأولى 1406 هـ - دَار الْكتب العلمية بيروت، لبنان.
36 - قُرَّة عُيُون الْمُوَحِّدين (بِهَامِش كتاب التَّوْحِيد) - عبد الرَّحْمَن بن حسن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب - ط الأولى 1411 هـ - مكتبة دَار الْبَيَان والمؤيد.
37 - كشف الأستار عَن زَوَائِد الْبَزَّار - نور الدّين عَليّ بن أبي بكر الهيثمي - ط الأولى 1399 هـ - مؤسسة الرسَالَة بيروت، لبنان.
38 - كشف الشُّبُهَات - للشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب - ط 1372 هـ - مطبعة السّنة المحمدية بِالْقَاهِرَةِ.
39 - الْكَلَام الْمُنْتَقى مِمَّا يتَعَلَّق بِكَلِمَة التَّقْوَى لَا إِلَه إِلَّا الله - للشَّيْخ سعيد بن حجي الْحَنْبَلِيّ - مطبعة الْمنَار بِمصْر سنة 1349 هـ.
40 - كلمة الْإِخْلَاص وَتَحْقِيق مَعْنَاهَا - لِلْحَافِظِ ابْن رَجَب الْحَنْبَلِيّ - ط الأولى 1408 هـ - دَار الصَّحَابَة للتراث بطنطا.
41 - كنز الْعمَّال فِي سنَن الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال - للعلامة عَلَاء الدّين عَليّ المتقي بن حسام الدّين الْهِنْدِيّ الْبُرْهَان فوري - ط الْخَامِسَة 1405 هـ - مؤسسة الرسَالَة بيروت.
42 - الكواشف الجلية عَن مَعَاني الواسطية - عبد الْعَزِيز المحمد السلمان - ط الثَّانِيَة 1390 هـ - مطبعة السَّعَادَة.
43 - لِسَان الْعَرَب الْمُحِيط - للعلامة ابْن مَنْظُور - دَار لِسَان الْعَرَب بيروت، لبنان.
44 - مَجْمُوع فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن تيميه - جمع وترتيب عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن قَاسم - تَصْوِير الطبعة الأولى 1398 هـ - مطبعة دَار الْعَرَبيَّة بيروت.

(1/451)


45 - مُخْتَار الصِّحَاح - للشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي بكر عبد الْقَادِر الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى - دَار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة مصر.
46 - مُخْتَصر العقيدة الإسلامية - تأليف: طَارق سويدان - ط الثَّالِثَة - دَار الدعْوَة الكويت.
47 - مدارج السالكين - للْإِمَام ابْن قيّم الجوزية - ط 1392 هـ - دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ بيروت، لبنان.
48 - مُسْند الإِمَام أَحْمد - للْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل - ط الْخَامِسَة 1405 هـ - الْمكتب الإسلامي للطباعة والنشر بيروت، لبنان.
49 - مُسْند أبي يعلى - لِلْحَافِظِ أَحْمد بن عَليّ بن الْمثنى التَّمِيمِي - ط الثَّانِيَة 1410 هـ - دَار الْمَأْمُون للتراث.
50 - معارج الْقبُول - للشَّيْخ حَافظ أَحْمد حكمي - ط الأولى 05 هـ - دَار ابْن القيّم للنشر والتوزيع، الدمام.
51 - مُعْجم أَلْفَاظ الْقُرْآن الْكَرِيم - مجمع اللُّغَة الْعَرَبيَّة - مطابع الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة للْكتاب.
52 - مُعْجم متن اللُّغَة - للعلامة أَحْمد رضَا - ط 1377 هـ - دَار مكتبة الْحَيَاة بيروت، لبنان.
53 - مُعْجم مقاييس اللُّغَة - لأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس بن زَكَرِيَّا - ط الثَّالِثَة 1402هـ - مكتبة الخانجي بِمصْر.
54 - المعجم الْوَسِيط - مجمع اللُّغَة الْعَرَبيَّة - ط الثَّانِيَة 1392 هـ - مطابع دَار المعارف بِمصْر.
55 - الْمعلم بفوائد مُسلم - للْإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الْمَازرِيّ - ط الأولى - دَار الغرب الإسلامي بيروت، لبنان.
56 - الْمُفْهم على صَحِيح مُسلم - أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ - ط الأولى 1413 هـ - دَار الْكتاب الْمصْرِيّ، دَار الْكتاب اللبناني.

(1/452)


 

Twitter

Facebook

Youtube