الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة

الكتاب: الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن خلف بن عبد الله الدوسري (المتوفى: 1399هـ)
الناشر: مكتبة دار الأرقم، الكويت
الطبعة: الأولى، 1402 هـ - 1982 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة
الشيخ عبد الرحمن الدوسري

(/)


مقدمة الناشر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:
كان الشيخ عبد الرحمن محمد الدوسري رحمه الله رحمةً واسعة قد نشر كتيباً مفيداً اسمه "الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة"، وصاغه على شكل أسئلة وأجوبة مبسطة ليسهل فهمه ودراسته.

وكعادته رحمه الله فيما يتحدث أو يكتب كان يربط قضايا العقيدة بواقعنا المعاصر، ولا غرابة في ذلك فباعه طويل، وتجاربه واسعة في هذا المضمار.. ولهذا يجد القراء أسئلة يكثر العلمانيون والفَسَقَةُ من إثارتها كقولهم:
- إرادة الشعب من إرادة الله.

(1/5)


- الدين أفيون الشعوب.
- الدين سبب الطائفية والشقاق.
- الدين لله والوطن للجميع.

وينطلق رحمه الله في ردوده من القرآن والسنة وأقوال علماء خير القرون، ثم يهتك ستار الباطل بأدلة عقلية مقنعة، وأسلوب ممتع شيق، وعبارة سهلة مبسطة.

وعندما عقدنا العزم على إعادة نشر هذا الكتيب رأينا أن نضيف إليه أسئلة وأجوبة أخرى كان يهتم بها كثيراً ... فبعد كل محاضرة كان يتلقى أسئلة من الشباب الذين يستمعون إلى وعظه ودروسه، ثم يحتفظ بهذه الأسئلة، ويجيب على المهم منها ثم يجعل منها مادة لأحاديثه في المستقبل.. وعندما كان يسئل عن سر إهتامه بهذه الأسئلة كان يقول؛ هذه مشاكل شبابنا التي تشغل باله وعلينا أن نتصدى لحلها، ونرشد أبناءنا إلى الطريق المستقيم، طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً.

ويسرنا أن نقدم الكتاب في شكل جديد، ونرجو أن ينفع الله به شباب هذه الأمة، ويجعله في صحائف أعمال كاتبه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الناشر

(1/6)


مكتبة دار الأرقم / الكويت
الطبعة الأولى 1402 هـ

مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمد لله الذي خلق الجن والإنس ليعبدوه مخلصين له الدين وأرسل الرسل إليهم وأنزل الكتب عليهم لهدايتهم بنور العلم واليقين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار القهار الواهب الرزاق ذو القوة المتين.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الناصح الأمين. صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء المخلصين وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:
فهذه جمل مفيدة مما تصورته ولخصته من مفهوماتي عن العقيدة الإسلامية التي هي توحيد الأنبياء والمرسلين. وهي وظيفة المؤمنين الصادقين مع رب العالمين. والمحسنين التصرف في ميراث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وقد وضعتها على طريق السؤال والجواب تقريباً لإفهام الطلاب واقتداء بتعليم جبريل عليه السلام لصحابة النبي الأحباب حيث تنزل بذلك من عند رب الأرباب.
وإني أضعها أمانة في أعناق الأساتذة ليحفظوها ويرعوها حق رعايتها فيدرسوها.
وفي الحقيقة

(1/7)


إنها وغيرها من الكتب الدينية الصحيحة أمانة في عنق كل من وصلت إليه أن يعيها ويبلغها للناس ليظفر من الحي القيوم بثمرة الدعوة التي دعا بها نبيه عليه الصلاة والسلام من حصول اللعنة والوعيد للمعرض عن الهدى أو كاتمه عن الأنام (1) .
وأسأل الله جل وعلا أن يسمعها خالصة لوجهه الكريم وأن يرزقها من يفهمها ويعلمها ويجزل له الأجر العظيم ويجمعني مع أحباب محمد العاملين بسنته الناشرين لدعوته في جنات النعيم.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، نعم المولى ونعم النصير والرقيب والحسيب.
عبد الرحمن الدوسري
_________
(1) وسميتها (الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة)

(1/8)


س) ما هو التوحيد؟
ج) هو واجب الله على بني الإنسان، أي يعبدوه ويوحدوه في ألوهيته وربوبيته ولا يشركوا به شيئاً، لقوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ِ) .

س) ما هي فائدة التوحيد والنتيجة الحتمية من تحقيقه؟
ج) تحرير النفوس من رق العبودية لغير الله وتزكيتها بطاعته وشرف أخلاقها وعفة جوارحها، بالتزام حدوده، واتقاد نار الغيرة والغضب لله نصحاً وإخلاصاً له وصدقاً معه، بحيث تندفع به إلى جهاد أعدائه، فينصرها الله كما كتب على نفسه بذلك حقاً تكرماً منه وفضلاً) وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) .

(1/9)


س) ما معنى العبودية؟
ج/ لها معنيان:

1- عبودية كونية.

2- عبودية شرعية.

س) ما هي العبودية الكونية؟
ج) العبودية الكونية يدخل فيها جميع الخلائق مؤمنهم وكافرهم، حتى إبليس اللعين القائل {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ، وقال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} .

س) ما هي العبودية الشرعية؟
ج) العبودية الشرعية: هي التي من أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، واعترف إبليس بأن ليس له سلطان على أهلها بقوله {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} .

س) من هم عباد الله المخلصين؟
ج/ هم القائمون بجميع شرائع الإسلام قولاً وعملاً وتبليغاً، وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر المتواصون بالحق والصبر والحافظون لحدود الله.

س) ما هو المفهوم الصحيح للدين؟
ج/ الدين بمعناه الصحيح هو ما كان خالصاً لله وعلى وفق أمره وذلك:

1- بأن لا يكون المرء عبداً إلا لله، حيث

(1/10)


يكون جميع سعيه وحركاته وسكناته لله رب العالمين.
2- ألا يعبد الله إلا بما شرع، فلا يعبدوه بالأهواء والبدع، فيخرج عن الصراط المستقيم وينخرط في سلك المغضوب عليهم الذي تنكبوا عن الحق بعدما عرفوه، فابتغوا غير الله حكماً وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، أو ينخرط في سلك الضالين الذين جهلوا الحق ولم يطلبوه من مصدره فاتبعوا خطوات الشيطان.

ولهذا أوجب الله على عباده قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة من ركعات صلاتهم، لأنهم يسألونه فيها الهداية إلى الصراط المستقيم ويتضرعون إليه بإخلاص العبادة له والاستعانة به، فهي كعهد يجدده المسلم مع ربه كل ما يقف بين يديه.
) س ما هو الصراط المستقيم؟

ج) هو صراط الله الذي لا عوج فيه، ذلك الصراط الذي رسمه لجميع عباده في كتابه وعلى لسان رسله عليهم السلام.

س) هل بين دين الأنبياء تفاوت؟
ج) ليس بينهم تفاوت في أصل الدين والعقيدة قال صلى الله عليه وسلم: (إننا معشر الأنبياء أبناء علات وديننا واحد) ، فدين الأنبياء والمرسلين جميعاً "الإسلام".

قال نوح {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ

(1/11)


أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .

وقال إبراهيم في سورة الأنعام {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ ... وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} .

وقال يوسف داعياً ربه {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}
وقال الله في إبراهيم {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} .

ووصى إبراهيم بنيه ويعقوب {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

وقال موسى {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} .

وحواريوا عيسى قالوا {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
وعيسى أوصى بذلك فقال {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} .

فالذي يزعم إنه مسيحي ولا يؤمن بمحمد ويتبع الإسلام هو مكذب بعيسى، ولذلك يطالب بالإسلام أو دفع الجزية عقوبة على تكذيبه لنبيه، وكذلك من زعم إنه يهودي.

س) كم أركان التوحيد؟
ج/ ثلاثة:

1- الإسلام.

2- الإيمان.

3- الإحسان.

س) ما هو الإسلام؟
ج) هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.

س) ما هو الشرك؟
ج) هو أن يجعل الإنسان ندا من دون الله أيا كان

(1/12)


من حجر أو شجر أو بشر حياً أو مقبوراً يتألهه بأي نوع من أنواع العبادة، من حب وتعظيم ودعاء أو رجاء أو خوف أو إنابة أو خشية أو ذبح أو نذر أو استغاثة أو غير ذلك، وكذلك الاحتكام إلى غير حكم الله رغبة أو قبولاً لما أحله الأحبار والرهبان أو الرؤساء السياسيون أو الروحانيون.

كما ورد في حديث عدي بن حاتم المشهور حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إنا لم نتخذهم أرباباً) ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أو ليس يحلوا لكم الحرام فتستحلوه ويحرموا عليكم الحلال فتحرموه وتطيعوهم بما يأمرون؟، قال: بلى، قال: (فتلك عبادتهم) .

س) ما معنى الله والرب؟
ج/ الرب: هو المربي والمالك.

ويطلق على الله جل وجلاله لأنه المالك الرزاق المتصرف الخالق الوهاب المربي لجميع خلقه بنعمه الظاهرة والباطنة والمنمي فيهم جميع القوى والأحاسيس والحافظ لهم حفظاً شاملاً.

والإله هو الذي تألهه القلوب بالحب والإجلال والتعظيم، ولذلك كان التأله لغير الله شركا.

س) ما الذي يلزم من ذلك؟
ج) يلزم أن يكون ملكاً مطاعاً من جميع خلقه.
إذ لا يليق بجلاله وعظيم جنابه أن يترك الخلق سدى وهملاً، فلا بد أن تكون فيه صفات الملوكية الكاملة من الأمر والنهي

(1/13)


والتشريع وضبط الخلق بحدود ونظام، وأن يبعث الرسل وينزل الكتب ويقيم الحجة عليهم، كي ينتقم من أصحاب المخالفات بشتى عقوباته المتنوعة - العاجل منها والآجل -

بل هو أيضاً مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، كما نص على جميع ذلك في القرآن.

س) ماهي أصول التوحيد
ج) هي ثلاثة:
معرفة العبد ربه
2- ودينه
3- ونبيه صلى الله عليه وسلم

س) ما هي أقسام هذا النوع؟
ج/ ثلاثة أيضاً:

1- توحيد الربوبية.

2- توحيد الألوهية.

(3) توحيد الأسماء والصفات.

س) كيف يعرف الإنسان ربه؟
ج) يعرفه بآياته ومخلوقاته وآثار قدرته الظاهرة في كل شيء، وسلطته القاهرة لكل شيء، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السماء والأرض وما بث فيهما من دابة، وما أودع لنا فيهما من كل مادة وسخر لنا من البحار والأنهار وما هيأه من وسائل الرزق في جميع ذلك.

(1/14)


س) ما هو توحيد الربوبية؟
ج) هو توحيد الله بجميع أفعاله من الخلق والرزق وإنزال المطر والأمانة والإحياء وتسخير جميع الأفلاك وإمساك السموات والأرض من الزوال.

وهذا النوع من التوحيد يعترف به اليهود والنصارى وجميع الملل، كما أعترف به كفار قريش وغيرهم، فلم ينفعهم إعترافهم، لأخلالهم بالنوع الثاني وإشراكهم فيه، مما أبيح قتالهم لأجله وأبيحت أموالهم وسبيهم.

س) ما هو توحيد الألوهية؟
ج) هو توحيد الله من عباده بجميع ما يفعلونه مما ينوبهم، ومما شرع لهم من العبادات التي تعبدهم بها.

وهذا النوع هو الذي جحده الكفار وخاصموا رسلهم من أجله.
فأوجب الله جهادهم وأباح دمائهم وأموالهم لإخلالهم بهذا الواجب العظيم الذي عليه مدار التوحيد، وأمر الله رسوله والمؤمنين إلى يوم القيامة أن يقاتلوهم ويحصروهم ويقعدوا لهم كل مرصد حتى يقيموا هذا الأصل العظيم بحب وإخلاص.

(1/16)


س) ما هو توحيد الأسماء والصفات؟
ج) هو الإيمان بكل ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من صفات الله تعالى؛ صفات ذاته وأفعاله.

بأن نصفه بها كما وصف نفسه وكما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم بلا تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تأويل.

لأن ذلك خروج بها عن حقيقتها إلى الميل والالحاد في معانيها، والله يقول {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فجعلهم الله مفترين بذلك.

س) ما هي العبادة؟
ج) هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه قولاً وعملاً، وتحقق بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتعظيم شعائره والوقوف عند حدوده عموماً.

س) ما هي أنواع العبادة؟
ج) هي كثيرة، ومن أهمها: الدعاء والإنابة والخوف والرجاء والخضوع والرغبة والرهبة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والتوكل والتأله بالمحبة والتعظيم والذبح والنذر والصلاة والصدقات والصوم والحج والجهاد وغير ذلك.

فيجب الإخلاص لله بجميع ذلك.

ومن صرف شيئاً منها لغير الله فهو مشرك غير محقق للإخلاص ولا ملتزم بمدلول الشهادتين، كما سيأتي.

(1/17)


س) ما هو الدليل على ذلك؟
ج) دليل الدعاء قوله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .

ودليل الإنابة قوله تعالى {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} .
ودليل الخوف والرجاء قوله تعالى {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} ، وقوله {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .

ودليل الخشية قوله تعالى {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} ، {وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} .

ودليل الخشوع والرغبة والرهبة قوله تعالى {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ، ومن السنة حديث حصين بن المنذر المشهور إذ سأله النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً (كم اإلهاً تعبد؟) ، قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، فقال له الرسول: (فمن لرغبتك ورهبتك؟) ، قال: الذي في السماء.

ودليل الاستغاثة والاستعانة قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

ودليل الاستعانة قوله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} .

ودليل التوكل قوله تعالى {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .

ودليل التأله بالمحبة قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ..} .

ودليل الذبح والنذر والصلاة والنسك قوله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا

(1/18)


شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ..} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من ذبح لغير الله فقد أشرك) ، وتحريم القرآن ما أهل لغير الله به من ذبح أو نذر وصفه الله في سورة الأنعام بأنه (رجساً أو فسقاً) .

س) ما حكم من غايته في هذه الحياة جمع المال والتباهي بالأثاث والقصور وإشباع الشهوات؟
ج) أوضح الله حكمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وجعله عبداً لما أحب ودعى عليه بقوله: (تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخصيمة، تعس وانتكس، وإذا شبك فلا أنتفش) .
وقال تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} وقال {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} .

والنصوص في ذلك كثيرة.

س) ما هو واجب المسلم أمام الله؟
ج) واجبه أن يعتبر نفسه خليفة لله في أرضه، جندياً له فيها، يسعى بالصلاح والإصلاح، ويبذل غاية جهده وما يملك لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكفر هي السفلى.

ويعتبر نفسه مسؤولاً أمام الله عما يحدث في الأرض من كفر وظلم وفساد، فيكرس جميع مجهوده للاستعداد بالقوة

(1/19)


وتسخير جميع ما يقدر عليه من المواد في جميع العوالم لهذا الغرض السامي النبيل، الذي ينقذ به البشرية من الضلال والدمار والانحلال ويحررها من عبودية بعضها البعض ويزكي نفوسها بالتقوى والصلاح.

غير متلبس بالأثرة ولا طامع في منصب أو لقب، وهذا هو مبدأ الرسل ومن سار على منهاجهم، متبعاً لهدى الله.

ومن أنحرف عنه أو قصر فيه كان مفرطاً في جنب الله خارجاً من طاعته مفترياً عليه، ومتعرضاً لعقوباته الشرعية والقدرية.

س) ما هي عقوبات الله الشرعية؟
ج) هي ما شرعه من إقامة الحدود والقصاص والتعازير، من رجم الزاني أو جلده وقطع يد السارق أو تعزيره ونفي المحاربين والمفسدين أو قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو صلبهم أو قتلهم معه، إلى غير ذلك من التعازير العامة.

س) ما هي عقوبات الله القدرية؟
ج) هي ما يعاقب به أصحاب المخالفات الذين لم يطهروا منها بإقامة الحد أو التعزير أو الإنابة إلى ربهم، بشتى العقوبات الدنيوية المادية والمعنوية من الخوف والإزعاج المروع والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وإنزال الجوائح السماوية والأرضية من صواعق وأعاصير

(1/20)


وزلازل وبراكين.
وتسليط البعض على البعض نهباً وإرهاباً وقصفاً ورمياً وإبادة، كما هو المشاهد المحسوس، وحرمان العلم النافع وحرمان الرزق أو محق بركته، وسلب العبد ألقاب المدح والشرف وإبدالها بالعكس، وإعماء بصيرته، والنقص من عقله.

وإنسائه لنفسه كما نسي ربه، وجعله ينفق أمواله فيما لا طائل تحته من الإسراف والبذخ وصرفها في الشهوات المهلكة، التي تجعل عدوه يتقوى عليه بما يصرفه ويبذره من المال، حتى يتسلط عليه فيغلبه لشدة تفريطه.

وغير ذلك من إزالة نفوذه حتى على أولاده وأهله الذي ينفق عليهم ويكدح من أجلهم، وإذهاب الغيرة المحمودة من قلبه، تلك الغيرة التي هي صلاحه وفلاحه بحيث يفقدها كالحيوان أو كالديوث من حيث لا يشعر، وتسليط شياطين الجن والإنس عليه وتعريضه للفتن.

إلى غير ذلك مما وقع به المفرطون في جنب الله في هذا الزمان.

س) هل يكتفي من عبادة الله بشيء دون شيء؟
ج) عبادة الله شاملة لجميع نواحي الحياة لا يجوز للمسلم المؤمن أن يقتصر منها على نوع دون نوع أو ناحية دون ناحية.

بل يجب أن يحقق عبودية الله ويطبق شريعته على نفسه في كل شأن وميدان، في المسجد والمنزل والطريق والسوق والمصنع والمتجر والدائرة والمؤسسة والحضر والسفر.

وأن يكون مستقيماً على طاعته والتزام حدوده في منشطه

(1/21)


ومكرهه وعسره ويسره ملتزماً للحق في حال الغضب والرضا والفقر والغنى.

فمن أخذ بشيء في وقت وطرحه في وقت أو عمله في مكان وتركه في مكان أو قدم على شريعة ربه ما تهواه نفسه أو يميل إليه من أوضاع البشر الذين يحبهم ويقلدهم فهو مشرك في هذه الناحية مخل بعبودية الله بحسب ذلك.

س) ما هو أول ما فرض الله عليك أيها المسلم؟
ج) هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
والدليل قوله تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ، وقوله {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

س) ما هو الطاغوت هل هو علم على شخص معين أو هو اسم جنس؟
ج) ليس علماً على شخص معين، بل هو أسم جنس يتناول كل من اتصف بصفة الطاغوت.

والطاغوت في أصل اللغة مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، يقول العرب: (طغى السيل) إذا جاوز ماؤه حافتي الوادي وفاض من بين جوانبه، (وطغى الماء) إذا ارتفع مده وفيضانه عن قامة الإنسان بحيث يغرقه، كقوله تعالى {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ

(1/22)


فِي الْجَارِيَةِ} .

فكل من تجاوز حده المأمور به شرعاً والمخلوق لأجله فهو طاغوت،

فكل من شرع له من الدين ما لم يأذن به الله ودعى الناس إليه فهو طاغوت.

وكل من عبد من دون الله وهو راض فهو طاغوت، فإن كان المعبود حجراً أو شجراً أو قبر صالح، فالطاغوت الشيطان المزين لهم ذلك، والذي قد يتكلم ويخاطب الزائرين الداعين له أحياناً ليفتنهم فيه ويغويهم عن التوحيد.

وكذا من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت، ومن دعا إلى بدعة أو انتحل مذهباً أو مبدءاً مخالفاً لملة إبراهيم وشريعة سيد المرسلين فهو طاغوت.

وتزداد شناعة الحكم عليه بحسب قوته ودعوته إلى ذلك والتسلط على الناس لتنفيذ مذهبه وتعزيز مبدئه، أو تسلطه على الناس بتحليل ما حرم الله وعكسه بقوة القهر والدعاية المغررة، فهو طاغوت أيضا، وهكذا.

س) ما هو عمود الدين؟
ج) هو الصلوات الخمس التي فرضها الله على عباده، وجعلها بمثابة وجبات من الغذاء الروحي تتقوى بها صلتهم بربهم، ويزداد بسببها تأثرهم بقراءة القرآن، فتقوي عزيمتهم وينشطون في القيام بنصرة الله.

س) ما هي ذروة السنام من الدين؟
ج) هي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته وقمع

(1/23)


المفتري عليه تعظيماً لجنابه وغيرة على محارمه وغضباً لانتهاك حدوده.

س) كم أركان الإسلام؟
ج) بني الإسلام على خمس:

(1) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

(2) وإقام الصلاة.

(3) وإيتاء الزكاة.

(4) وصوم رمضان.

(5) وحج البيت الحرام للمستطيع.

س) هل ينفع الإنسان بمجرد النطق بالشهادتين دون العمل بشيء من شعائر الدين؟
ج) مجرد النطق بالشهادتين يعصم دم الإنسان وماله ويكون بها مسلماً ظاهراً.

لكن فيما سوى ذلك لا ينتفع في حياته أو بعد مماته منفعة مثمرة، حتى يستكمل شروطها التي تدفعه إلى الإتيان بباقي الأركان وإقامة شعائر الدين وتحقيق الجهاد، بجميع أنواعه المطلوبة أو بعضها.

وقد يقتل شرعاً على الإخلال ببعض الأركان أو ارتكاب بعض المعاصي بحكم الردة أو الحد أو التعزير.

س) ما هي شروط الشهادتين؟
ج) سبعة:

(1) العلم المنافي للجهل.

(2) اليقين المنافي للشك.

(3) القبول المنافي للرد.

(4) الانقياد المنافي للترك.

(1/24)


(5) الإخلاص المنافي للشرك.

(6) الصدق المنافي للنفاق.

(7) المحبة المنافية لضدها.

س) أوضح لي الشرط الأول باختصار؟
ج) هو العلم بمدلولها الذي يقتضيه جميع معاني توحيد الألوهية السابق ذكره.

كما يقتضي أيضاً محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه صلى الله عليه وسلم وطاعته والاقتداء بهديه، والاندفاع لنصرة ما جاء به من الحق بجميع القوى والماديات.

س) ما معنى الشرط الثاني؟
ج) هو النطق بهما عن يقين يطمئن قلبه إليه، دون تسرب شيء من الشكوك التي يقوم ببذرها شياطين الجن والإنس.

س) ما معنى الشرط الثالث؟
ج) هو قبول جميع ما يلزم من مدلوهما.

بحيث يقبل الناطق بهما جميع ما ورد من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم دون رد شيء منه، أو الجناية عليه بالتأويل الفاسد، الذي وصفه الله بأنه تحريف للكلم عن مواضعه.

س) ما معنى الشرط الرابع؟
ج) هو الانقياد لحكم الله الذي اعترف بحصر الألوهية له في هذه الشهادة، والاستسلام لجميع شرعه الوارد

(1/25)


في كتابه وسنة نبيه كما يستلزم ذلك.

دون ترك شيء منه إنكاراً أو تهاوناً بحجة المتكاسل الكاذب.

س) ما معنى الشرط الخامس؟
ج) هو أن تصدر منه جميع الأقوال والأفعال خالصة لوجه الله وإبتغاء مرضاته، ليس فيها شائبة رياء أو سمعة أو قصد نفع أو غرض شخصي أو شهوة نفسية ظاهرة أو خفية، أو الاندفاع إلى العمل لمحبة شخص أو مذهب أو مبدء يستسلم له بغير هدى من الله، أو يؤثر محبة غيره على طاعته.

لأنه بذلك يكون مشركاً، كما أن من استسلم لله ولغيره كان مشركاً، والعياذ بالله.

س) ما معنى الشرط السادس؟
ج) هو الصدق مع الله الذي اعترف بحصر الألوهية له في هذه الشهادة، وهو توحيد الإرادة.

وذلك ببذل الجهد في طاعة الله وإمتثال أوامره وحفظ حدوده والغيرة على حرماته والغضب له والانتصار لدينه، دون تهاون أو فتور.

إذ من نطق بها دون العمل بذلك كان منافقاً مخادعاً لله ورسوله والمؤمنين، أو مشرك عابد لشيطانه وهوى نفسه، وقد كذب قوله بعمله وسوء خطته.

فلذا كان الكذب في أصل العقيدة نفاقاً، سواء كان الكذب لفظياً أو عملياً، بل الكذب العملي أشد وأفظع.

(1/26)


س) ما معنى الشرط السابع؟
ج) هو النطق بها عن محبة مقرونة بالإجلال والتعظيم.

كما يستلزمه حصر التأله لله جل وعلا في هذه الشهادة، وذلك بالقيام بجميع شروط المحبة ولوازمها التي لا تنفك عنها، بين المحب والمحبوب شرعاً وعقلاً.

س) ما هي شروط المحبة ولوازمها؟
ج) هي:

(1) موافقة المحبوب فيما يحبه ويرضاه.

(2) ورفض ما يكرهه أو يسخطه.

(3) ومحبة أحبابه وبغض أعدائه.

(4) وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه.

(5) والقيام بنصرته والسير فيما رسمه عن حب وإخبات.

فمن عكس هذه الأمور ولم يوافق محبوبه فيها، فهو كاذب في محبته، وليس عنده من المحبة سوى الدعوى الفاجرة.

س) ما الدليل على ذلك؟
ج) هو واضح في النقل، ويؤيده العقل، كالشمس في رابعة النهار، إذ من أدعى محبة أحد وهو مخالف له فيما يحب أو ساع فيما يكره فدعواه واضحة للبطلان.

كذلك من أدعى محبة أحد وهو محب لأعدائه أو موال لهم أو مبغض لأحبابه أو معاد لأوليائه فكذبه ظاهر مكشوف، هذا دليل عقلي ظاهر منضبط.

والدليل من النقل: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ

(1/27)


عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ، {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..} ، وقوله {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ..} .

والنصوص في ذلك كثيرة من الكتاب والسنة.

س) ما هو جماع ما تقدم؟
ج) جماع الأمر فيما تقدم هو أن الناطق بالشهادتين معاهد لربه أن لا يتأله أحداً بأي نوع من أنواع العبادة، ولا ينقاد لحكم غيره، ولا يسير في الحياة على خلاف ما شرعه الله ورسوله.

فمن أحب غير الله معظماً مستسلماً لحكمه منفذاً لنظامه منقاداً لتشريعه، أو عطل حدود الله ولم يقم بأوامره ويحافظ على شريعته فهو خائن لله ورسوله، ناقض لهذا العهد العظيم، قاطع صلته بحبله المتين.
وفي ذلك يقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

(1/28)


س) هل يكتفي من محبة الله ورسوله بأصل الحب؟
ج) كلا ثم كلا.

فجميع ما ذكر مرتكز على أنه لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إلى المسلم مما سواهما، بل أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين.

س) ما ملة ألوهيته المأمورون باتباعها؟
ج) هي الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة فيه وإيثار محبته وطاعته على محبة النفس وحظوظها.

ولذلك لما أمتحن الله إبراهيم بذبح ولده الذي رزقه إياه عند الكبر في وقت غاية حبه، انقاد واستسلم لحكم الله، فرحمه وجازاه بالخلة، وفدى ابنه بذبح عظيم، وترك له الذكر الحسن، وجعل في ذريته النبوة والكتاب.

س) ما الدليل على ذلك؟
ج) قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ، وقوله {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ... } ، إلى قوله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو

(1/29)


اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} .

فجعل الله من لم يتأسى بهم متولياً عن هديه معرضاً عن ملته.

فليحذر عباد الله من ذلك.

س) ما هو جماع ما تقدم؟
ج) جماع الأمر فيما تقدم هو أن الناطق بالشهادتين معاهد لربه أن لا يتأله أحداً بأي نوع من أنواع العبادة، ولا ينقاد لحكم غيره، ولا يسير في الحياة على خلاف ما شرعه الله ورسوله.

فمن أحب غير الله معظماً مستسلماً لحكمه منفذاً لنظامه منقاداً لتشريعه، أو عطل حدود الله ولم يقم بأوامره ويحافظ على شريعته فهو خائن لله ورسوله، ناقض لهذا العهد العظيم، قاطع صلته بحبله المتين.

وفي ذلك يقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

س) ما حكم من خضع لبعض الطواغيت واستسلم لتشريعاته مستحسناً لها؟
ج) هو مخل بتوحيد الألوهية مناقض لملة إبراهيم عليه السلام ولا ينتفع مع استحسانه وقبوله وتنفيذه لمذاهب الطاغوت بشيء من أعماله.

كما قال تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ، عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} ، وغير ذلك من الآيات.

س) بأي شيء يرتفع الإنسان عن مستوى البهائم؟
ج) يرتفع إذا زكى نفسه بطاعة الله وشرفها بحمل رسالته وأخذ كتابه بقوة، والقيام بنصرة دينه ونشر شريعته، والوفاء بعهده، وحسن التصرف فيما أنعم الله به عليه من الجوارح والأحاسيس والقوى وسائر النعم، باستعمالها في مرضاته وإعلاء كلمته وقمع المفتري عليه.

فإن هو دس نفسه بالمعاصي وأساء التصرف فيما أنعم الله عليه ونبذ كتابه وراء ظهره وتقاعس عن أداء واجبه وحمل رسالته، فقد شابه البهائم.

ولذا شبه الله هذا النوع بالكلب والحمار، وقال تعالى {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} ، {أُولَئِكَ

(1/30)


كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ، وشبه المنسلخ من آياته بالكلب، وشبه غير المنتفع بها بالحمار الذي يحمل الكتب دون أن يستفيد.

س) هل يجوز الاحتجاج بالقدر؟ وما حكم المحتج؟
ج) لا يجوز الاحتجاج بالقدر، إذ هو من خصال المشركين الذين قالوا {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ..} .

وإنما يجب التسليم لله في المصائب، والتوبة والاستغفار من الذنوب والمعائب، قال تعالى {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} .

والمحتج بالقدر أما جاهل مقلد، أو معائد ملحد، وهو في دعواه متناقض لا يطردها، فلا يرضى أن يعتدي عليه أحد ويقول (هذا قضاء الله وقدره) ، ولا أن يخالف أمره أحد ويقول له (هذا قدر الله) ، ولا أن يلعب عليه أحد ويحتج بالقدر.

فكيف يعامل الله بما لا يرضاه هو لنفسه، هذا من أقبح التطفيف.

ولو كان الاحتجاج بالقدر صحيحاً لما شرع الله العقوبات في الدنيا على أهل المخالفات وتوعدهم عليها بالنار يوم القيامة، وهو جل جلاله {قَائِماً بِالْقِسْطِ} ، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} .

فالله رزق عبده الهداية ووهبه مشيئة كاملة يسير بها في الحياة، فإن سار على الهداية الشرعية فلح ونجا، وإن هو أتبع خطوات الشيطان واختار عبادته من

(1/31)


دون الله إيثاراً لشهوته أستحق غضب الله.

س) من هو المخلص حقاً؟
ج) المخلصون لله هم الذين أخلصوا دينهم، لا يريدون من أحد جزاء ولا شكوراً، وغير طامعين في شيء من حظوظ النفس ورغباتها على الإطلاق، بل همهم بذل النفس والمال في نصرة الله بإعزاز دينه تطبيقاً ونشراً وتبليغاً، دون خوف أحد أو مداراته.

قال تعالى في حصر الإخلاص والمخلصين {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} ، فما سواهم غير مخلص.

س) من هو الأمين حقاً؟ ومن هو الخائن؟
ج) هو الحافظ لحدود الله الذي تخلص من أمانات التكاليف الشرعية التي حمله الله إياها، فادى الصلاة على وجهها الصحيح، وتحفظ في أخذ الطهور، وأدى ما عليه من حقوق المال، وحفظ أمانة الله بصومه وحجه، وحفظ الأمانة الكبرى؛ وهي كتاب الله الذي هو حبله المتين في عنق كل مسلم.

والخائن: هو من أضاع الصلاة وأتبع الشهوات وأهمل الطهارة، واستهان بباقي شعائر الإسلام، ونبذ كتاب الله وراء ظهره، ولم يهتم بشؤون المسلمين، ولم تأخذه الغيرة لدين الله والغضب لانتهاك حرماته، ولم يبالي بتعطيل شرعه وحدوده.

(1/32)


س) هل يجوز إسداء ألقاب المدح والشرف على من ذم الله طريقتهم؟
ج) إن الله حصر صفة السفاهة حصراً فيمن تنكب عن ملة إبراهيم ورغب عن شريعة محمد، إذ قال {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} .

وشبه من لم ينتفع بالقرآن (بالحمار) ، ومن انسلخ من آياته (بالكلب) .

وحصر صفة الضلال فيما سوى الهدى، وجعل للإيمان مقاييس وموازين توزن به.

فمن مدح من ذمه الله من أولئك فهو متعد لحدود الله.

فكل منحرف عن تعاليم الإسلام معطل لحدوده محتكم إلى غير شريعة الله لا يجوز وصفه بأي لقب من ألقاب المدح والشرف، مهما كان.

ففي الحديث (لا تقولوا للفاسق سيداً فإنه يكن سيداً فقد أسخطتم ربكم) ، وأي فاسق أعظم فسقاً ممن ابتغى غير الله حكماً وشرع له ما لم يأذن به الله من المبادئ والمذاهب المادية الحديثة المرتكزة على الفلسفة الغربية بإيحاء من الصهاينة.
هل يجوز تحليل شيء مما حرم الله أو تحريم شيء مما أحل الله؟
لا يجوز قطعاً، وهو نوع من أنواع الشرك لأنه إفتراء على الله، قال تعالى في وصف المشركين {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} .
فلا يجوز تحريم الحلال ولا طرحه والتخلي عنه وتسييبه، قال

(1/33)


تعالى {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ، ولا تزول الملكية عن جميع الأعيان بتسييبها من مالكها، وكذلك لا يجوز الاعتداء على المالكين في أملاكهم بأي حجة لا يبررها الشرع.

أما تحليل الحرام؛ فهو أشد جرماً وأفظع، والجميع منهما أفتيات على الله في شرعه وحكمه، فهو من أنواع الشرك.

س) ما هو المحرم من التصاوير والمباح منها؟
ج) ينبغي للمسلم أن ينظر في حكمة التشريع الإلهي والأمر والنهي، لئلا يعتريه التفريط أو الإفراط.

فالأحاديث وردت بالوعيد الشديد للمصورين واستعمال التصاوير والعلة في ذلك مركبة من شيئين:

أولاً: التعظيم الذي هو نوع من أنواع العبادة.

وثانياً: مضاهات خلق الله.

وليس التحريم مقيداً بكون التصوير مجسمأ أو شمسياً من حبس الظل، إنما العلة في التعظيم.

ولذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وضعها (القرام) الذي فيه تصاوير، وهي غير مجسمة، لكن لما كان فيه مظنة التعظيم نهاها عنه، فلما قطعته وجعلته وسائد تكون التصاوير فيه ممتهنة أقرها.

فعلى ذلك يباح من التصوير ما دعت إليه الحاجة لضبط الجنسية وتحقيق الشخصية ومعرفة المجرمين والمشبوهين عن الاشتباه، وما يتخذ منها عرضة للامتهان، كالذي في الفرش والنمارق.

أما الصور التي تأخذ

(1/34)


للأشخاص المحبوبين المعظمين لتعلق في المنازل والمكاتب لاحتلال أصحابها مكانة في النفوس بحيث تحاط بالزجاج المدرور ويدفع فيها المال - مال الله - فهذه لا تجوز، لقيام علة التحريم، وهي التعظيم المخل بالتوحيد.

س) ما حكم الدعوة إلى الله والعمل للإسلام؟
ج) هي وظيفة كل مسلم أورثه الله الكتاب والسنة من نبيه عليه السلام وكل مسلم يشمله عموم الأمر بالدعوة إلى الله ولوازمها من قوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ، وعموم قوله {وَقُلِ اعْمَلُوا} ، وقوله {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} ، أي واجب جهاده.

فكل مسلم عليه أن يبالغ في الجهاد بجميع أنواعه، بحيث لا يترك من المستطاع منه شيئاً.

ولا سيما في الأزمنة التي تخلت فيها الحكومات عن العمل للإسلام والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، فإن ذلك أصبح متحتماً في عنق كل مسلم.

فيعتبر عاصياً مفرطاً في جنب الله إن قصر في ذلك أو تخلى عنه، ويكون ممن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض كفراً عملياً بطرحه إياه والتخلي عنه، ولذا نال الأمة ما توعدها الله به من الخزي في الحياة الدنيا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} .

فلينتبه المسلمون لواجبهم ويحاسبوا أنفسهم ويئيبوا إلى ربهم.

(1/35)


س) ما هو الإيمان؟
ج) هو قول باللسان، وعقد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان، لأنه التصديق الجازم الذي يلهب المشاعر ويحرك الجوارح، فتندفع النفس به إلى مرضاة المحبوب المطمئن إليه بقوة إيمانه.

س) ما هي أركان الإيمان؟
ج) ستة:

(1) الإيمان بالله.

(2) وملائكته.

(3) وكتبه.

(4) ورسله.

(5) واليوم الآخر.

(6) والإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره.

س) أوضح لي ذلك باختصار
ج) الإيمان بالله هو أصل الأصول ورأس الأمر.

ويلزم منه حصول ما تقدم من خوف عقاب الله ورجاء ثوابه وتحقيق عبادته بصدق وإخلاص.

كما يستلزم ذلك الإيمان بالملائكة الذين هم جنود الله لتسيير الكائنات بإذنه، ومنهم السفراء بينه وبين رسله، إلى غير ذلك.

ويستلزم الإيمان برسله وكتبه لإرشاد خلقه المكلفين إلى القيام بوظائفهم وواجبهم نحو ربهم.
ويستلزم الإيمان بالبعث في اليوم الآخر الذي ينصف الله به المظلوم من الظالم، ويجزي أهل طاعته الحاملين لشريعته بحسن ضيافته في جنته التي هي دار كرامته، ويجازي الكافرين، بنعمته الجاحدين لرسالته، المعرضين عن

(1/36)


هديه والمؤثرين شهواتهم وأغراضهم على مرضاته وطاعته بالعذاب الأليم في نيران الجحيم.

كما يستلزم الإيمان بقدره، فيتيقن إنما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فلا يخاف مما سوى الله، ولا يرهب أعداءه، جازماً إن أسلحتهم لا تقتل إلا من دنا أجله، ويعد لهم غاية المستطاع من القوة حسب أمر الله، معتقداً أنه بقدر الله يستعد لقدر الله أيضاً.

ثم بالإيمان باليوم الآخر الذي هو البعث بعد الموت ومحاسبة كل نفس ومجازاتها على الخير، لا يحسد أحداً على شيء لعلمه إن ما عنده هو بقدر الله، بل يسعى جاهداً للابتغاء من فضل الله، مؤملاً منه حسن قضائه فيما جرت به المقادير.

فأي خصال أشرف من هذا وأقوى وأحسن؟

س) ما هو الإحسان؟
ج) فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

فالله لا تخفى عليه خافية ولا يمكن لأحد أن يستتر عنه أو يهرب منه.

فلو أحسن في الدنيا لصلحت أعماله وحسنت سيرته، فسلم الناس من شره، وعاشوا في هذه الدنيا بحياة طيبة لا حرب فيها ولا خوف ولا تخريب.

س) ما هو جماع ذلك؟
ج) جماعة ولبابة؛ الإيمان بالغيب، وهو غاية الكمال والسر في حصول الحياة، لأنه يجعل من ضمير الإنسان رقيباً

(1/37)


قوياً يردعه من أي خطيئة أو جريمة، ويخوفه من عقوبات الله المنوعة العاجلة والآجلة، ويجعله يستعد لهجوم الموت الذي لا يدري متى يوافيه، فيندفع بقوة مسارعاً لمرضاة الله، ويضطره إلى أن يعامل الناس بمثل ما يجب أن يعاملوه به.

س) هل يكفي اقتصار المسلم على إصلاح نفسه وأهله وعمارة مسجده دون التعرض لأحوال الناس؟
ج) كلا ثم كلا.
بل لا بد له من التواصي بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى والأخذ على يد السفيه، واشتغال المسلمين جميعاً بإرشاد الضال ونصح المقصر وتقويم المعوج وإصلاح الفاسد وردع الملحد وقمع المفتري على الله، وأخذ القرآن بقوة، والدفع به وبسنة المصطفى إلى الأمام.

لئلا يجعلوا فراغاً لغيرهم ينفذ منه إليهم.

فإن هم فرطوا في ذلك غزاهم أعداء الله بالباطل، وغزاهم كل مغرض، فأفسد قلوبهم وقلوب أبنائهم وأزاحها عن الإيمان الصحيح، وأخرب بيوتهم بمفاسد الأخلاق والتهتك والانحلال، وعبث بمقدراتهم، وتحكم في مصبرهم.

كما جرى فعلاً، وسيجري أضعافه على أيدي المحسوبين على الإسلام من أولاد المؤمنين الذين استجابوا لتعاليم الكفرة وتقبلوا ثقافتهم واستحسنوا ما عندهم من القبائح والموبقات.

وكل هذا من تفريط المسلمين في جنب

(1/38)


الله واقتصارهم من طاعته وعبادته على بعض دون بعض.

س) ما الدليل على ذلك؟
ج) قوله تعالى {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ، فأقسم تعالى بحصول الخسران الكامل العام الشامل لمن لم يتصف بهذه الصفات، والخاسر بعيد من السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: (لو لم ينزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم) .

وقال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..} ، وقال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} .

وكيف يكون المسلمون شهداء على الناس وهم لم يقوموا بتبليغهم وإرشادهم وإصلاح فسادهم وتقويم اعوجاجهم؟
وكيف يكون الرسول شهيداً عليهم وهم لم يأخذوا القرآن بقوة ولم يحملوا سنته ويجاهدوا في الله حق جهاده؟

إنه في هذه الحالة يكون خصماً لهم يوم القيامة، إذ يقول {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} .

فهذه الآيات وما شابهها في القرآن هي وحي الرحمن الواجب اتباعه، وما سواها مما يجري على ألسن العامة هو من وحي الشياطين الواجب رفضه وطرحه.

(1/39)


س) إذا ما معنى قوله تعالى {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ؟
ج) القرآن يفسر بعضه بعضاً.

فمعناها إننا إذا اهتدينا وتواصينا بالحق وصبرنا على الأذى فيه وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر وتعاونا مع إخواننا على البر والتقوى وجاهدنا في الله حق جهاده، فحققنا الاهتداء الواجب علينا، لا يضرنا حينئذ ضلال الضالين وعناد المعاندين بعد ذلك، إذ بدونه لا تتحق الهداية أبداً.

س) ما هو الإلحاد؟
ج) هو الميل عن الحق والانحراف عنه بشتى الاعتقادات والتأويل، ولذا سمي لحد القبر لحداً لميله عن وسطه إلى أحد جوانبه.

فالمنحرف عن صراط الله والمعاكس لحكمه بالتأويل الفاسد وإبداء التشكيك يسمى ملحداً.

والذي يعدل بربه غيره فيتألهه بالحب والتعظيم وقبول مبادئه أو تنفيذ نظمه وتشريعاته باستحسان يكون ملحداً.

وأول الناس إلحاداً المشركون الذين أشنقوا لآلهتهم من أسماء الله، كاللات والعزى من الآل الذي هو الإله، ومن العزيز الذي هو ذو العزة، وهكذا.

ثم كل من ألحد في أسمائه وصفاته وصرفها عن ظاهرها وأخضع نصوص التنزيل لقوانين (أرسطو) المنطقية وإضرابه، وكل من خالف النص في القدر والبعث وغيره،

(1/40)


أو تأول شرائع الإسلام والإيمان على خلاف ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، أو غير حدود الله وأحكامه بحجة التطوير والحضارة والرفق بالإنسان، وما إلى ذلك، فهو ملحد.
وكذلك من زعم إن النصوص الشرعية لا تفيد اليقين الموجب للعمل حتى يقبلها العقل ويستسيغها، فإنه ملحد، لأنه جعل العقل البشري نداً للدين الإلهي.

س) ما حكم الملحد؟
ج) يكفر وتجري عليه وعلى ماله أحكام المرتدين.

إذا قامت عليه الحجة بالتعريف بالدليل، أو أنكر الأدلة الشرعية، ولم يخضع وأصر على عناده بالاستسلام لغيرها.

س) ما هو الشرك؟
ج) هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك.

وهو أكبر الكبائر، وهو الماحق للأعمال والمبطل لها والحارم من ثوابها.

فكل من عدل بالله غيره، بالحب والتعظيم أو أتبع خطواته ومبادءه المخالفة لملة إبراهيم فهو مشرك.

وكذا من أنتصر له وقاتل معه تحت راية عميه، يدعو إلى عصبيه، أو ينتصر لعصبية، ومذاهب مادية، مما قذف به الغربيون علينا فهو مشرك. وقد تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور.

وكذلك الذين بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم، فجعلوا حدود الوطن فوق حدود الله، ومحبة الجنس والقوم فوق محبته، أو

(1/41)


إندفع باسم التحرر والتطوير ونحوه مما وضعته البروتوكولات الصهيونية سراً ونفذه تلاميذ الأفرنج جهراً من كل ما هو مخالف لحكم الله وخارج عن تعاليم الإسلام، فهو مشرك أيضاً.

س) ما هو الند والأنداد؟
ج) الند هو الشبه والمثل، والأنداد جمع ند، وهي الأمثال والنظراء والأشباه.

وهي أعم من الأصنام الحجرية الميتة الصامتة.

فيدخل في مسماها أنواع من البشر المتحرك الناطق الذي يفرض سلطته قهراً أو تضليلاً، فيحاط بهالة من الثناء والتعظيم، لما يروج للناس من دعايات تغرر بالجماهير، فمن استجاب لمذاهب أحد من هؤلاء أو مبادئه، وأنطلق لتنفيذ خططه والسير في ركابه دون ردها إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ووزنها بميزان الشريعة الحقة فهو مشرك.

ويدخل أيضاً في عموم الأنداد الرؤساء الروحيون الذين يقدسهم أهل الملل والنحل وسائر المبتدعة، فالمتقبل لما يصدر منهم برحابة صدر هو مشرك أيضاً.
إلى غير ذلك من كل ما يعدل الناس به الله، ويعتبرونه لهم نبراساً في سير الحياة وممثلاً لمناهجهم، ويحظى منهم بالتوجه إليه ما لا يحظى به رب العالمين، كما هو المشاهد من حالة الناس

(1/42)


اليوم مع محبوبيهم من الزعماء السياسيين أو الدينيين.

فكله شرك مناقض لمدلول الشهادتين.

وكذلك القول على الله بغير علم هو عديل للشرك، لأنه افتراء على الله، ولا أحد أظلم ممن أفترى على الله.

س) ما الدليل على ذلك؟
ج) الأدلة كثيرة متظافرة من الكتاب والسنة.

منها قوله تعالى {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وقوله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ..} ، إلى قوله {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا - بضم التاء وكسر الباء - مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا - بفتح التاء والباء - وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} ، وقوله {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ، وقوله {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً} ، وقوله {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} .

أي لا أحد أظلم من أهل هذه الأوصاف، فهم على غاية من الشرك.

فلا أحد أشد ظلماً وأعظم شركاً وجرماً ممن بذل مجهوده الأدبي أو المادي أو المعنوي لتقرير مذاهبه ومبادئه وفلسفاته المخالفة لشرع الله أو المنقضة لملة إبراهيم، بل هو في عمله هذا من المحادين لله ورسوله.

فانتبهوا يا أولي الأبصار.

(1/43)


والأدلة كثيرة جداً يطول بها المقام.

س) هل للوثنية رسم خاص وصبغة واحدة قد انتهت بها أم لا؟
ج) إن الوثنية برسمها الخاص وصبغتها الواحدة التي تجمعها هي:

(1) تقديس غير الله.

(2) أو تحكيم غيره.
(3) وتشريع ما هو مناف لشرعه الحكيم.

ولكن ليس معنى هذا انحصارها برسم خاص قد انقضى، أو بصبغة واحدة تلبس بها غيرنا ونحن معصومون منها.

بل إن فروع هذه القواعد الثلاثة الخبيثة كثيرة جداً، فكل من تلبس بشيء منها كان وثنياً، أو كان فيه من الوثنية بحسبه، مهما كان، وفي أي محيط كان.

لأن للإنسان في هذه الحياة وظائف خاصة أوجده الله من أجلها، فإن هو أخل بها أو تجاوزها إلى غيرها أو اعتدى فيها كان ظالماً باخساً لحق الله، وفيه من الوثنية بقدر ما أرتكبه.

س) هل الجاهلية مقصورة على قرون مضت أو تتجدد صبغتها في الناس؟
ج) ليست مقصورة على قرون، بل قد تزيد الجاهلية في قرن على ما قبله من القرون، إذ لها طوابع خاصة يتصف بها كل فرد وكل أمة عتت عن أمر ربها ورسله وتبعت

(1/44)


أهواءها في كل شيء.

حتى إن جاهلية اليوم تعتبر أفظع من كل جاهلية سبقتها، لأن فيها من الإغراء على كفر النعم وإنكار الخالق أو التنكر لدينه وشريعته والتهجم على حكمته والاستهانة بعزته وتحسين الخلاعة والرذيلة والفجور وذهاب الغيرة والحياء ما لم يكن في محيط أبي جهل وأبي لهب وما قبله من كل جاهلية.

وقد لا ينتهي الأمر عند هذا الحد ما دامت الإنسانية خارجة عن حدودها متمردة على نظام الله.

وستبقى عرضة لعقوباته حتى تفيء إلى أمره، وتتصور دينها ومقوماتها الصالحة المصلحة تصوراً صحيحاً، تهتدي به إلى حسن تطبيقه دون إخلال.

س) بماذا يحصل هذا التصور وينتج ثمراته؟
ج) (1) بمعرفة حقيقة الألوهية لمالك الملك جل وعلا معرفة روحية، تستلزم الخضوع لسلطانه والانقياد لأمره، لا كمعرفة اليهود الذين قالوا (سمعنا وعصينا) .

فمن لم ينقاد لحكمه ويمتثل أوامره فقد قال بلسان حاله وسوء فعاله (سمعنا وعصينا) ، وإن لم ينطق بذلك.
(2) معرفة حقيقة العبودية، وإن الإنسان لا بد له أن يكون عبدا، فإما عبداً للرحمن وإما عبداً للهوى والشيطان، فشرفه وزكاته بعبودية الله وأخذ كتابه بقوة وحمل شريعته تطبيقاً وتبليغاً ودفعاً بها بالقوة، أشد مما يقوم به أهل الباطل وحملة المذاهب المادية لنشر مبادئهم وفرض وحدة أهدافهم المزعومة.

فإن قصر في

(1/45)


ذلك لا بد أن يرتكس في الجاهلية، ويكون ممن غضب الله عليهم.

س) لماذا يرتكس في الجاهلية وينال غضب الله وعقوباته؟
ج) لأنه لم يقم بواجب الألوهية ويقدرها حق قدرها، ويخلص أعماله لربه، ويحسن معاملته معه، ويحقق عبوديته بتنفيذ أوامره والانقياد لحكمه في كل شيء.

بل جعل الحكم لنفسه أو لمحبوبه ومتبوعه، لا لله الذي خلقه وصوره وأنشأه لعبادته، مختاراً أن يكون خليفته في الأرض لتطبيق شرعه فيها وإصلاحها، على ضوء هدايته التي يتلقاها من وحيه الموروث حقاً من رسوله، ويتكيف به ويستقيم على نهجه، دون أن يتلقى شيئاً من مصدر آخر يشوبه به، فيكون عائداً للوثنية لا محققاً للعبودية.

والله حصر مقصوده من خلقه الثقلين بعبادته حصراً، فمن جعل لنفسه الخيرة فيما يفعله ويسلكه فقد أفتات على الله الذي يقول {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، ويقول {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} ، {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ، {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} .

(1/46)


س) يتعلل ملاحدة زماننا بالتوحيد زاعمين الاعتراف بالله والرسول لكن يرون ضرورة التطوير والتنظيم الاجتماعي فما الجواب؟
ج) إن الإيمان بالله ورسوله ليس مجرد أقاويل ودعاوي، فالدعاوي لا تتعذر على أحد، حتى اليهود وغيرهم يدعون الإيمان بالله وبكتبه المنزلة على رسلهم من عنده.

والمنافقون من هذه الأمة كذلك، فقد أخبر الله نبينا عنهم وفضحهم في عدة سور وآيات، منها قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا..} ، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ..} ، إلى قوله {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، من أوائل سورة البقرة، وقوله أيضاً {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} .. الخ.

وفضحهم وكشف أسرارهم ونواياهم الخبيثة الفاسدة المفسدة في سورة النساء والمائدة والأنفال والتوبة والحشر، حتى أخبر عنهم إنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم، وأخبر أنهم يمالئون اليهود سراً وجهراً عن شعور وعن غير شعور.

وجميع ما ذكر فيهم من الصفات تجدها صفات مضطردة في منافقي كل زمان، وإن تسترت بمذهب

(1/47)


وشعار أو إنصبغت بطلاء.

حتى جاء دور منافقي أزماننا الماهرين بإطلاق الشعارات وتزيين الطلاء وتحبيب الفحشاء والمنكر، والعبرة بالميزان الصحيح والمعيار الصحيح، لا بالشعارات والدعاوى.
فدعوى الإيمان بالله ورسوله لا تصدق إلا بالانقياد لحكم الله والمسارعة لمرضاته، وطاعة رسوله والاهتداء بهديه، وذلك لا يتم إلا بتطبيق كتاب الله وسنة رسوله، والتكيف بهما دون تكييفهما وإخضاع نصوصهما للأهواء، بل بإدراكهما بحسن التصور المستمد من ذاتهما لا بمقررات سابقة أو لاحقة من مصدر آخر، أو مقولات يفتعلها بنفسه ثم يجعلها ميزاناً لما أنزل الله.

هذا هو عين الضلال والمشاقة لله ورسوله والتقديم بين يديهما، عياذ بالله من ذلك.

س) إذا ما دور الإنسان في إجراء التطوير والتجديد في نظام المجتمع؟
ج) بما أن كينونة كل مخلوق حادث في العوالم العلوية والسفلية كينونة مقيدة، متحيزة في حدود من الزمان والمكان والنظام الإلهي المحكم لها، وهي لا تملك مجاوزة ذلك على الإطلاق، بل لا تملك الإحاطة بالكلي المطلق بأي حال، وكل له دائرة ونظام ومحور يدور به، إن هو انفلت منه أختل توازنه وفسد هيكله، أو كاد يعطب.

فكذلك الكينونة البشرية بجملتها - لا مجرد تفكيرها فحسب - ليس لها مجاوزة

(1/48)


ما وضعها وأحاطها به من حدود ونظام ملائم لطبيعتها، حسب إرادة الله الأزلية السرمدية وعلمه المحيط الأزلي الأبدي وحكمته الشاملة لجميع تطورات العصور واختلاف البيئات.

فالإنسان مخلوق بطبيعته الحادثة الناقصة، وإدراكه مهما توسع لا بد أن يكون محدوداً حسب طبيعته أولاً، ثم هو محدود بوظيفته برب العالمين ثانياً؛ وظيفة الخلافة في الأرض لتحقيق جميع معاني العبادة لله والتزام حكمه تماماً بلا نقص ولا زيادة، وهو بفطرته لا يملك أن يستقر في هذا الكون العظيم الهائل كذرة تائه مفلة ضائعة.
فلا بد له من رباط معين بهذا الكون يضمن له الاستقرار فيه بعيشة راضية ويعرف فيه مكانه حقاً، ولذا قال تعالى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ.. يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} .

فلذلك لا بد له من عقيدة ربانية تفسر له ما حوله وتفسر له مكانه، وتضبط وظيفته بضوابط حكيمة لا تتأثر بملابسات العصر والبيئة، لأنها من وضع علام الغيوب الحكيم العليم بمصالح عباده.

وهذه العقيدة وما يتفرع منها من نظم وأحكام هي خاتمة الرسالات والشرائع الإلهية المنزلة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي من فرط فيها أو تجاوزها كان كافراً أو منافقاً كفراً أو نفاقاً قولياً اعتقادياً أو عملياً، والعملي أنكى وأفظع.

(1/49)


س) كيف التوفيق بين العمل يما يمليه التصور الاعتقادي وما يتخيل من التطور الاجتماعي؟
ج) إن هناك تلازماً وثيقاً بين طبيعة التصور الاعتقادي وطبيعة النظام الاجتماعي، تلازماً لا ينفصل، ولا يتعلق بملابسات العصر والبيئة، بل هناك أعظم من ذلك، وهو الانبثاق الذاتي - في المجتمع الذي لم تمرج عقول أهله وتفسد فطرتهم -

فالنظام الاجتماعي الفطري هو فرع عن التفسير الشامل لهذا الوجود ومركز الإنسان فيه ووظيفته وغاية وجوده الإنساني.

وكل نظام لا يقوم على أساس هذا التفسير فهو نظام مصطنع لا يعيش إلا فترة، يشقى بها الإنسان بإهدار كرامته وخراب أسرته وضياع عرضه وتسخيره بيد من لا يرحمه، وذلك لبعد الشقة بين ما استورد عليه باسم التطوير، ودين الفطرة الإنسانية حتما.
خذ صورة مثال واحد من التلازم الوثيق بين طبيعة التصور الصحيح لحكم الله وبين طبيعة النظام الاجتماعي.. تحريم الزنى ودواعي قربانه من إظهار الزينة وإبداء المفاتن المغرية عليه، وشرع العقوبة الرادة عن ارتكابه، إذا تصورت مفاسده الوخيمة وآثاره السيئة من هتك العرض وضياع النسب وزوال العفة والشرف وتبادل الخيانة الزوجية، تمنيت زيادة العقوبة على مرتكبه، خصوصاً إذا ارتكبه في حقك، فهذا من التلازم والارتباط الوثيق بين حكم الشرع وطبيعة النظام الاجتماعي بالمعقول الصحيح.

ثم أعكس الأمر ولاحظ أن

(1/50)


المرأة المزنى بها أخت لكل إنسان إن لم تكن بنت لكل إنسان، فالذي يرضى بزناها ولا تأخذه الغيرة في إقامة حد الله على الزانيين بلا رأفة في دينه، هو ديوث عقلاً، غير مؤمن شرعاً، وكذلك من انشرح صدره لتهتك أخواته النساء وإظهار زينتهن ومفاتنهن بحجة التطور والحضارة هو ديوث، راض بعرض عرضه، وبعرض لحومهن كعرض السلعة المبتذلة.

وهو خارج عن شرف الإنسانية نازل إلى أحط الصفات البهيمية التي لا تستنكر الفساد، ولا تكترث من نزول بعضها على بعض، ولا تعرف للحرم والوكر قيمة.

فتشريعات الله الاعتقادية والحكمية ضرورة حتمية، كما أن طبيعة النظام الاجتماعية ضرورة شعورية، وقس على هذا مسائل الشرك والظلم والربا والسرقة والاغتصاب وأنواع الاحتيال وتحريم العمل على إضاعة الحياء بكل وسيلة وتحريم الجور والقتل بغير حق وإثارة الفتن والحروب والإسراف والتبذير في المال ومنع ذوي الحق حقوقهم فيه وغير ذلك مما غايته إصلاح القلب البشري وإقامة الحياة في الأرض على أسس من الحق والعدل الأزليين الكامنين في بنية الكون وبنية الحياة الشريفة.
ولهذا وذاك تتحتم يقظة الإنسان لحكمة التشريع الإلهي وعيه وتدبره، ضماناً لسير الأمور في الأرض على نهج ملة إبراهيم في الولاء والبراءة والحب والبغض، وعلى وفق شريعة محمد في الفروع، من العدالة والحق وصيانة الدين والعرض والكرامة

(1/51)


الإنسانية، استمداداً من العقيدة الإسلامية بمعناها الصحيح، فإذا لم يكن البشر واعين لحكمة التشريع وثمراته، من جلب نفع أو دفع ضرر، فلن يطبقوه على تمامه أو على وجهه الصحيح.

فالتطور أو الحضارة مثلا يجب أن تقصر على نحو تطور الإنسان في مسكنه من كوخ أو بيت طين إلى بيت حجري أو مسلح، ومن ركوب الإبل والخيل والحمير إلى ركوب السيارة والقطار الحديدي والطائرة ونحوها، ومن التروح بمروحة الخوص ونحوها إلى مراوح الكهرباء والمكيفات، ومن سرر الجريد وفرش الحصر والليف إلى سرر الحديد والأخشاب اللطيفة والفرش الناعمة المتنوعة الجديدة، وكذلك تطوره في الدفاع الحربي من الرمي بالنبال والطعن في الرماح إلى الرمي بالرصاص والقذائف النارية والمدافع والألغام والقنابل اليدوية والسيطرة على الجو وغير ذلك من أنواع القوة.
وكل ما هو قابل للتطور الصحيح بصفة لا ينشأ منها مفسدة تنخرم معها المصلحة بما فيه مجال للتطور وقابلية، يختلف وضعه باختلاف الزمان والمكان مما أبهمه الله وعممه، كالأمر بالاستعداد بالقوة ليشمل كل قوة تحدث، ويستوجبه الدفاع من جميع أنواع المخترعات على مدى الأجيال والأزمنة، وكالأمر بالعدل والشورى، أطلقه ليكون على الطرق التي تقضيها حالة المجتمع من هيئة الحكم وتفريعها وتنويعها، ومن صورة الشورى، ومما تتكون منه انتخاب أو تعيين، وهل هو من رؤساء عشائر أو وجهاء بلاد

(1/52)


أو رجال علم وفن، حسب ما تقتضيه الأوضاع المستقبلة، وكسياسة الاقتصاد السليمة مما حرم الله، وسياسة الهجرة والسياحة التي مدار الأمر فيها على التفكير في آيات الله وملكوته والفرار بالدين من الفتن وتبليغ الرسالة والدفع بالملة المحمية إلى الأمام، ومدار النهي عنها؛ الأشر والبطر والبذخ والإلقاء بالنفس في المهالك الحسية أو المعنوية، فاطلق الله تنويعها سلباً وإيجاباً إلى ما يقتضيه التطور وفق الحكمة الصحيحة والأمور المستقيمة، وهكذا.

ولا يجري التطور على العقيدة والأحكام الأصيلة والأخلاق الزكية المشروعة، فإنه حينئذ يكون كفراً أو شركاً وإلحاداً وانحرافاً وانحطاطاً من الفضيلة إلى الرذيلة.

أما العقيدة فهي التي تطور السلوك والأحكام وتتكيف به الأوضاع على وفق حكم الله، كما أنزل ليقوم الإنسان بحق الألوهية فعلا، كما نطق به قولاً، ويصدق مع الله في إخلاص عبادته.
وقد زادت فتنة الناس بعقولهم حين تطوروا بإنتاج المخترعات واكتشاف أنواع الماديات، فكانت هذه الفتنة على حساب الروح وحساب الطاقة التي تتصل بالله وتوقن بالغيب، الذي هو مصدر البداية للخير، وجميع هذه الكشوف والمخترعات ليست هي التي توجه الحياة أو تحكمها، وإنما يحكمها طريقة الاستفادة من ذلك حسب نور الله، أو التخبط في الظلمة، أفي سبيل الخير أو الشر؟ وفي سبيل السلم أو الحرب؟ والعقل يميز بين الخير والشر سطحياً، ولكن ليس هو الذي يقرر الطريق

(1/53)


ويفضي بالحكم الصحيح المضطرد، فكثيراً ما قرر عقل الإنسان شيئاً أنه خطأ ولا يجوز فعله ثم اندفع إلى فعله ذلك، المقرر لمنعه، لإنحراف روحه وانجرافها مع الشهوات وطمعها بالنفوذ الباطل.

فالروح المستنيرة بوحي الله المهتدية بهديه هي التي تقرر الحكم الصالح وتسخر العقل ليسير في طريقه على تقوى من الله ورضوانه، فالتزام حدود الله وضبط التصور بكتابه وشرعه تصوراً صحيحاً هو الذي يرسم الطريق، وتتكيف به النفس المؤمنة المطمئنة تكيفاً سليماً مشبعاً بروح التقوى، وما سواه يكون مكيفاً منصبغاً بألوان من الوثنية ومدفوعاً إلى الباطل، لا دافعاً مسيراً لغيره، وتدبر القرآن وانظر كيف امتزج التشريع الإسلامي دائماً بالتوجه إلى الله، إذ لا تخلو أية تشريعية من ذكر الله والأمر بتقواه والتوجيه إلى خشيته والترغيب في مثوبته والتخويف من عذابه، ليمتزج تشريع الأحكام وتنفيذها بتقوى الله وحسن مراقبته.

فأفهم هذا الجواب لتخلص من شبهات المضللين.

س) كيف مقالة من يقول (الحكم للشعب، والمال للشعب) ؟
ج) هذه كلمات مخترعة، ومخترعوها كاذبون في زعمهم لا يطبقون ذلك على أنفسهم، فيتنازلوا للشعب ولا عن رأي واحد من آرائهم.

بل هي نغمة تغرير لإلهاء الشعوب التي

(1/54)


تحب التنفس من حكمها الأول، لتنخدع بالحكم الثاني، الذي هو أشقى وأضل سبيلاً.
والحق أن الشعوب البشرية يجب أن تكون مصونة الكرامة نائلة للعدل والحرمة الصحيحة لا تساق كالأنعام.

ولكن لا يجوز إطلاق هذه الكلمات على عواهنها، فالحكم لله الذي يجب أن يكون توجيه الشعب على نور وحيه وحكمه على وفق شريعته، لا أن يقول (الحكم للشعب) ، من يوجه الشعوب نحو رغباته هو من أصحاب المذاهب المادية والمبادئ الوثنية المخالفة لما أنزل الله، ويفرض سلطته عليها قهراً، تحت شعارات دجلية ماكرة.

وكذلك (مال الله) يجب صرفه في المصالح العامة وحفظ ثغور المسلمين والدفاع عن جميع قضاياهم في مشارق الأرض ومغاربها، فوق كل شيء، والقيام بالدعوة إلى الله، والاستعداد بكل قوة لقمع المفتري عليه أو المعتدي على بعض المسلمين، وسد حاجة ذوي الحاجات المذكورين في سورة الحشر، ويقدم في صرفه ما تدعو الحاجة الضرورية إليه من ذلك، هكذا يعمل بمال الله، لا يجوز أن ينتهبه ذو الأنانية، ولا أن يصرف في البذخ والميوعة والتبذير، فضلاً عن الفسق والفجور والمسارح والبلاجات الخليعة.

ولا يجوز قطعاً ان يقال (مال الشعب) ، لأنه إذا سلم هذا، كان لهم أن يفعلوا ذلك وان يبددوا قسماً كبيراً منه على حفظ سلطانهم والتجسس وشراء الضمائر، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن الشعب يختلف في القوة والضعف والغنى

(1/55)


والفقر والمعرفة والجهل والصلاح والحزم والخمول، فكيف يكون المال ملكاً للمستغني عنه بثروته أو بقوته أو بعلمه وفنه أو من يجب حرمانه منه لفساده وخبثه، وما إلى ذلك، وصدق الله العظيم يقول {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} ، ولكن راجت هذه الأكاذيب لتعطيل الحكم بالشريعة.

س) كيف لنا بمن يقول (الدين علاقة بين العبد وربه فقط، لا شأن له في السياسة والحكم) ؟
ج) هذه خطة انتهجها الثائرون على الكنيسة في (أوروبا) ، التي ليس عندها ثروة تشريعية وافية بأساليب الحكم والسياسة حسب التطوير الصحيح.
فانتهج هذه الخطة تلاميذ الأفرنج من أبنائنا وعملوا على تطبيقها في بلاد المسلمين وفرضها عليهم، بتلقين قوي من أساتذتهم، وتأييد استعماري يحظى به العملاء والمغرضون، الذين يريدون الحكم على أشلاء الإسلام وحساب أهله، وقد أراحوا المستعمرين والمبشرين بتطبيق هذه الخطة التي أبعدوا بها حكم الله وأزاحوا المسلمين عن تعاليم شريعتهم وآدابها، وصبغوهم بصبغة أفرنجية في تقاليدهم وعقائدهم وأخلاقهم وملابسهم، حتى حولوهم بهذه الخطة وتحت شعاراتها المختلفة إلى نوع من الخلق لا يصلح شرقياً ولا غربياً.

ومع أن هذه في حق الإسلام والمسلمين فرية عظيمة وخطة أثيمة، فهي في الحقيقة حجة على أولئك دامغة لرؤوسهم مرغمة لأنوفهم، لأن

(1/56)


علاقة العبد بربه يجب أن تكون عامة في كل شيء.

بحيث لا يمشي إلا على وفق شريعته، ولا يحكم إلا بكتابه وسنة نبيه، ولا يتحرك إلا لمرضاته واجتناب سخطه، ولا يحب أو يبغض إلا من أجله، لا لنفع أو من أجل عشيرة أو وطن أو قرابة أو مال، ولا يوالي أو يعادي إلا في الله ومن أجل إعلاء كلمته، لا لغرض آخر.

فلا يوالي أعداءه أو يعادي أحبابه لحاجة في نفسه، أو لأجل شيء مما تقدم، ولا يخطط نظام الحكم أو ينفذها مستنداً على تلك القواعد الانتهازية ضارباً بكتاب الله وتوحيده وشريعته عرض الحائط، فإن هو فعل ذلك لم يحسن علاقته بربه بل قطعها وكان متناقضاً في قوله، أفاكاً أثيماً، لأن الله لا يرضى من عبده أن يحكم بغير شريعته أو يتخلى عن دعوة الإسلام والدفاع عن جميع قضايا المسلمين.

ولا أن يوالي النصارى بحجة وطنية أو قومية عصبية جلبها من (أوروبا) واطرح بها ملة إبراهيم عليه السلام.
كما لا يرضى من عبده أن يعيش بإيمان أعزل امام كفر وإلحاد مسلح، بل يوجب عليه لتحقيق الصدق معه والاخلاص له أن يستعد لأعداء الله بجميع المستطاع من حول وقوة، مهما تنوعت وتطورت، ليقمعهم، كي لا يغلبوه ويتحكموا في مصيره، وكذلك يوجب عليه أن يكون غيوراً على حرماته حافظاً لحدوده ناصراً لدينه دافعاً له إلى الأمام، لا يقتصر من عبادته على نوع دون نوع، ولا يقصر بالغزو لنشر الحق

(1/57)


فيغزوه أعداء الله بالباطل.

فإن لم يفعل هكذا لم يحسن علاقته بربه، وكان خواناً أثيماً، إذا علاقته بربه عامة في جميع الشؤون الحربية منها والسلمية والاقتصادية والاجتماعية وسائر السلوك في المسجد والدائرة والمصنع والسوق على السواء.

س) ما الدليل على ذلك شرعاً وعقلا؟
ج) الأدلة الشرعية كثيرة متواترة.

منها أن الله أوجب عبادته على العموم، ومعاني العبادة ولوازمها كثيرة عظيمة، لا يجوز لأحد الترخص بشيء منها (إلا) بدليل شرعي، وجميع النواحي الدينية والدنيوية التي أوجبها الله على خلقه في القرآن أو ندب إليها وحض عليها أناطها بالأمر بالتقوى والتزام حدوده.

حتى في المواريث والديون، قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} ، {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} .

وفي تزويج النساء وعشرتهن وطلاقهن قال {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} ، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} ، {مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} ، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} .

وفي الصدقات ونحوها {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} .
وفي الأمور السياسية {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} ، {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ} ،

(1/58)


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..} إلى قوله {هُمُ الْغَالِبُونَ} من سورة المائدة، والآيات في الأمور السياسية كثيرة متنوعة.
وفي الشؤون الحربية لنصرة العقيدة وإقامة سلطان الله وإعلاء كلمته في الأرض يقول الله {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} ، {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ، {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} ، {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ..} إلى أن قال {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ

(1/59)


اللَّهِ} ، {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .

ورخص الله للمؤمنين بقصر الصلاة في السفر خوف الفتنة بادئ الأمر، ثم شرع لهم صلاة الخوف حالة الحرب على عدة صفات تناسب حال المحارب، لعظم شأن الصلاة، وأمرهم فيها أن يحملوا السلاح ويكروا ويفروا إذا اقتضت المصلحة في أثنائها، وهي صحيحة لا تتأثر في ذلك، فأي دين يأمر بالقوة ويجمع بين الحرب والعبادة في آن واحد غير دين المسلمين، حتى قال لهم الله محذراً {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} إلى أن قال {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} .
وفي الولاء والمحالفة، نهي عباده أن يتخذوا من دونه ومن دون إخوانهم المؤمنين وليجة من القوم الآخرين، وفي الاحتماء والخضوع لهم واختيارهم تقدم قول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى..} ، من سورة المائدة، ونصوص أخرى كثيرة.

وفي المعاملات يقول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ..} ، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} .

وغير ذلك من الشؤون الاجتماعية كثير وفي سورة (النور) و (الحجرات) آيات واضحة لا نطيل بها المقام، وفي الأحاديث النبوية بحور

(1/60)


زاخرة من ذلك.

وملاك ما تقدم قوله تعالى {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ، وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} ، أي اتقوه واجب تقواه، وبالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئاً، فإن تركتم شيئاً فإنكم لم تتقوا الله حق تقاته.

وأما الدليل العقلي الصريح الذي لا يجوز تجاهله، فهو مرغم لأنوف أهل هذه الأكذوبة أشد إرغام، وذلك بأن نتسائل؛ مع الذين افتروا على الله وقالوا (إن الدين علاقة بين العبد وربه فقط) ؟

فنقول: هل يرضى رئيس أي دولة من الدول التي قررت هذه الأكذوبة مذهباً لها، أن يقتصر رعاياه وجنده وموظفوه على مجرد احترام اسمه والثناء عليه والدعاء له دون أن يتقيدوا بأوامره وينفذوا أنظمته وتشريعاته ويغضبوا للنيل من كرامته أو انتهاك حدوده، بل يقبلوا بعض أنظمته ويرفضوا الباقي، ويعملوا بضده أو يجلبوا نظم وتشريعات دولة أخرى يحلوها محل أنظمته، زاعمين إنها أنسب لحالهم وأوفق لتطورهم؟
هل يعتبرهم في هذه الأحوال، أو بعضها، قائمين في وظائفهم مخلصين له في أعمالهم؟ أو يعتبرهم في مثل هذه الأحوال عملاء وأذناب للعدو فيقصيهم من عملهم ويحاكمهم ثم يعاقبهم؟

لا شك أنه يعتبرهم في مثل هذه الأحوال خونة خارجين عليه منحازين لغيره، خارقين لنظامه، ويسوقهم للمحاكمة وينزل بهم العقوبات الصارمة، فكيف

(1/61)


يجعلون لله ما لا يرضون لأنفسهم؟

حقاً لقد جعلوا لأنفسهم منزلة أعظم من منزلة رب العالمين إذ حصروا طاعته والانقياد لحكمه في الشيء القليل، وأوجبوا على الناس الانقياد لحكمهم في كل شيء والاستسلام لهم في كل ناحية، ففرضوا على الناس تأليههم دون الله، وقد تعدوا وتجاوزوا بالظلم والجحود قول من قال (سأنزل مثل ما أنزل الله) ، وبلغوا من تجاوز الحدود ما لم يبلغه أي كافر في سابق القرون.

فاحفظ الدليل واسأل الله الهداية إلى سواء السبيل.

س) ما حكم من رفض السنة وقصر العمل والحجة على القرآن؟
ج) هذه خطة الزنادقة والملاحدة ليقضوا على شطر الدين، ويلبسوا على الناس بتعظيم القرآن، وهم كاذبون، وإلا فالقرآن يأمر باتباع الرسول وطاعته.

وذلك لا يحصل إلا باتباع سنته والتأسي به.

وقد أجمع من يعتد به أهل العلم؛ إن السنة المطهرة مستقلة في تشريع الأحكام، وإنها كالقرآن في تحليل الحرام وتحريم الحلال، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) .

وقد اختلق الزنادقة حديثاً وضعوه على الرسول، وهو "ما أتاكم عني فاعرضوه على الكتاب الله فإن وافقه فأنا قلته وإلا فلم أقله".

وعارض المسلمون هذا الحديث حتى أثبتوا شاهداً على بطلانه من نفس متنه، لأن الله يقول {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا

(1/62)


نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وهذا النص القرآني معارض لهذا الإفك الموضوع، والباطل لا بد له أن ينقض نفسه بنفسه.
وبالإجمال فثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بالتشريع ضرورة دينية، لا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام.

س) ما حكم من يرمي الإسلام والمسلمين بالرجعية؟
ج) هو مستدرك على الله في حكمه، منتقض لدينه، مستهين بعزته، معرض عن الاقتداء برسوله إلى الاقتداء بالغربيين الكفرة.

فهو ملحد جره إلحاده إلى جعل الشعارات الحديثة والمذاهب المادية أنداداً من دون الله، يسعى لها وينظم الحكم على ضوئها نابذاً بتنزيل الله عرض الحائط.

وهو الرجعي في الحقيقة لرجوعه إلى آراء كل ملحد في غابر القرون، وتفضيله خطط أعداء الرسل من كل أمة، فلا تفتش في أقواله وأعماله إلا وتجدها مقولة معمولة من الكفرة السابقين، مهما زعم التجديد.

والإسلام أعظم دين ثوري، يحارب الرجعية ويدعو إلى النهضة التقدمية بمعناها الصحيح، وأعداؤه يقصدونه بالهجوم على الرجعية ومحاربتها، وإن زعموا أن معناها الرجوع إلى الوراء أو التمسك بالقديم.

والحق أنه ليس كل تمسك بالقديم يعتبر رجوعاً إلى الوراء، ولا كل ولوع بالمستحدث يعتبر تقدمية، بل يجب وزن الأشياء بالميزان الصحيح والنظر في واقعها ونتائجها.

فالقديم

(1/63)


المجانب للحق المرتكز على التقليد المحض الذي ظهرت سوء آثاره ونتائجه هو الذي يجب رفضه، لا لكونه قديماً بل لكونه باطلاً فاسداً موروثاً عن تقليد.

والجديد أو المجدد إذا كان مرتكزاً على حق وينتج منه الخير والصلاح والفضيلة وتنعدم أو تقل معه الرذيلة، يجب قبوله ويعتبر تقدماً، لا لكونه جديداً ولكن لكونه صالحاً حسن النتائج نابغاً من عقيدة وإيمان.
فالإسلام قديم، يدعو إلى الأمانة بدل الخيانة، وإلى الوفاء بدل الغدر، وإلى النصح والإخلاص بدل الخيانة والنفاق، وإلى الصدق والبر بدل الكذب والفجور، وإلى العفة بدل الزنا، وإلى الاحتشام والتستر بدل العرى والتهتك، وإلى الإيثار بدل الأثرة، والإخاء والتعاون بدل الشقاق والتنافر، وينادي أن قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق، وعرض كل واحد عرض لأخيه تجب منه الغيرة عليه والغضب لأجله، ويفرض العقوبات الشديدة الرادعة لإصلاح البيوت وحفظ الأسر عن اختلاط الأنساب، بدل الفوضى الجنسية وضيعة الشرف والنسب.

فهل من العقل والإنصاف أن يرمي بالرجعية لهذا الأشياء، بحجة أنها تقاليد قديمة أكل عليها الدهر وشرب، وأن التمسك بها رجوع إلى الوراء؟

بالله عليكم هل التمسك بسورة الإسراء وغيرها كسورة النور، التي قال الله فيها {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا..} يكون رجعياً راجعاً إلى الوراء؟ أم الرجعي هو الراجع إلى الوراء السحيق خاصة، والقائل لمنزل سورة النور: نبذناها،

(1/64)


والراجع إلى تقاليد قرون بالية سحيقة أكل الدهر عليها تماماً وشرب، قرون تلفت بعدما تجرعت الفوضى والنتائج السيئة المتنوعة، الناشئة من العري والتهتك وعبادة الشهوات والتكالب المسعور على المادة والتحل الجنسي والجرائم الأخرى التي اعتبرها المؤرخون سبباً في انحطاطهم وهلاكهم؟ أيكون تقليدهم والرجوع إلى مساوئ أخلاقهم تقدمية؟ والابتعاد عنه بالتزام حدود الله والاستنارة بوحيه رجعية؟
{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} ، إن الرجعية الخبيثة حاربها القرآن من تقليد الآباء بغير برهان من الله، وجعل بعض الأشياء أنداداً من دون الله، والاحتكام لشريعة الطاغوت من سائر البشر المتجاوز لحدوده والظلم والجور والكذب والبهتان والزنا ودواعي قربانه من أظهار الزينة والمفاتن، والسعي في الفساد والتطفيف والاعتداء والشقاق، واحتقار الناس وغمط حقوقهم والتسلط عليهم استعلاء في الأرض، وغير ذلك من أنواع الرجعية، التي افتتن بها اليوم تلاميذ الافرنج وسموها تقدمية.

بينما القرآن يأمر بالتقدمية الصحيحة، من العفة والنزاهة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والاستعداد بكل قوة قاهرة للأعداء وأخذ الحذر منهم، وعدم موالاتهم والركون إليهم، أو جعل بعضهم وليجة ووليا من دون المؤمنين، كما يفعله من يزعم التقدمية هذا اليوم، وأيضاً فهو يأمر بتسخير كل دابة ومادة على وجه

(1/65)


الأرض أو في جوفها للتغلب بها على الأعداء والسبق في مضمار الحياة.

فالإسلام لا يحرم العلوم النافعة والوسائل والمخترعات الحديثة، أو يأمر بالرجوع إلى الماضي في جميع مرافق الحياة، شأن الكنيسة والكهنوت، حتى يجوز أن يسمى (رجعية) .

وإنما رجوعه إلى الماضي في العقيدة والإيمان بوحي الله لفظاً واعتقاداً وتطبيقاً، آمراً بإيثار الله ورسوله في المحبة على كل شيء، فمن وصفه بالرجعية لهذه الأسباب فهو كافر عقلاً وشرعاً، إذا عاند بعد التفهيم، وكيف يوصف بالرجعية دين يجمع بين الغاية والوسيلة، والمادة والروح، والمحبة والوجدان، والحكمة والعاطفة، يضبط كل شيء بحدود كيلا يطغى.

فرميه بالرجعية مكابرة وقلب للحقائق.

س) هل بين الحق والباطل طريقاً وسطاً يطلبه الناس ويختاروه؟
ج) كلا.

فإن الله حصر الضلال فيما سوى الحق.

فليس فيما سواه طريقاً صالحاً ولا حلول ولا أنصاف حلول أبداً، قال تعالى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} .

س) إذا قال القبوري (أنا لم أشرك وإنما جعلت النبي أو الولي المقبور واسطة وشفيعاً يقربني إلى الله) فما جوابه؟
ج) هو أن الله أخبر عن المشركين إنهم لم يعتقدوا

(1/66)


في أحجارهم وأشجارهم ونحوها الربوبية، بل قالوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، وإنهم يقولون {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ، فلم يقبل الله ذلك منهم بل شدد النكير عليهم وتوعدهم وأمر رسله بقتالهم واستباحة سبيهم وأموالهم.

وتعلق القبوريون في هذه الأزمنة بالمقدسين عندهم أعظم من تعلق أولئك المشركين، لأن الأوائل يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، كما أخبر الله عنهم بقوله {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} .

أما القبوريون والمفتونون بتقديس الأشياء في هذا الزمان فهم يشركون في الرخاء والشدة، بل تزداد ضراعتهم إلى المقبورين حال الشدة أعظم مما يضرعوا إلى الله أو يلتفتوا إليه.

فهم عدلوا بربهم غيره إذ ساووه بملوك الدنيا الذين يجهلون أحوال رعايهم ونواياهم ونواياها وخباياها فيحتاجوا دائماً إلى وسيط يعرفهم بالناس ويشفع عندهم للمذنبين.

والله لا تخفى عليه خافية، ولا دونه ودون توبة عباده حجاب، وما لهم من دونه من ولي ولا شفيع، قال تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ..} ، {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ..} ، {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ..} ، {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا

(1/67)


شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} .
فإن القبوري بجعله المقبور واسطة وشفيعاً قد انتقص الله انتقاصاُ عظيماً، حيث قاسه بالمخلوق الذي يحابي في فضله وحكمه وعدله فيطعي من له وسيط وشفيع أكثر مما يعطي غيره، أو يحرم من ليس له واسطة لجهله بحاله أو استقاله، ويعفو عن المذنب الذي له شفيع ويطرح الآخر في السجن والعذاب، وذنبهما واحد، تقدس الله عن ذلك.

فهذا القبوري اتهم الله بالمحاباة من حيث لا يشعر، وانتهج خطة المشركين الذين هم بربهم يعدلون، زاعماً أنه موحد وهو مخالف للتوحيد - عافاه الله من ذلك -

فعليه التوبة وإخلاص الدين لله من جديد.

س) إذا قال لك القبوري (أتنكر شفاعة النبي ووجاهته؟ فأنا أريد شفاعته) فما الجواب؟
ج) شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لا تنكر، فهو صاحب المقام المحمود، وكذلك شفاعة غيره فيما يأذن به الله.

لكن ينبغي معرفة الحد في ذلك، وهو على أمرين:

أحدهما: إنه عز وجل لا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حاله يوم القيامة أنه يسجد ويحمد ربه بمحامد يفتحها عليه دون أن يعرفها من قبل، ثم يقول الله له: (ارفع رأسك وسل تعطي واشفع تشفع) ، ويحد له حداً، وفي بعض طرق الحديث (ثم يحد لي حداً) .

فالذي يطمع بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يطلبها من الله، فيقول (اللهم شفعه في) .

وقد نها صلى الله عليه وسلم عن

(1/68)


الاستشفاع به على الله كما أورده ابن اسحق في قصة الاستسقاء بما معناه (إنه لا يستشفع على الله بأحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، الله فوق عرشه على سماوات، ولعرشه منه أطيط كأطيط الرحل بالراكب) .

فإذا سألت الله أن يجعلك من شفعاء محمد عليه الصلاة والسلام فإنك بذلك تضرعت إلى الله أن يجعلك في ضمن الحد الذي يأذن الله له بالشفاعة فيهم.

أما أن تسأله إياها رأساً فكأنك تريد المحاباة دون غيرك، وتريد منه هو أن يطمع في ذلك أيضاً، وهو مكرم عن ذلك، فهذه خطيئتان يزيدان شناعة في الأمر الثاني.
وهو افتياتك عليه صلى الله عليه وسلم فأنك طمعت في ما لا يتصور أن يطمع فيه عاقل مقدراً لله ورسوله حق قدرهما.

لأن الشفاعة لا يتحقق طلبها ويصح رجاؤها إلا بعد تبين الأمر للشافع وموافقته على الشفاعة ورضائه بها، وهناك يصح رجاؤها والتعلق بها بإذن الله، مع الإنابة من الإنسان المذنب النافية للإصرار.

ولا يصح لك أن تقول (فلان) شفيعي قبل أن يعلم ويتبين حالك وملابساتك وصحة نيتك وصدق عزيمتك على الإقلاع عن الذنب، وهذا شيء لا يعلمه إلا علام الغيوب جل وعلا.

وهو فاتح بابه للتوبة بلا شفيع، ويفرح بتوبة عبده أشد من فرحة الواجد لراحلته الضائعة في مفازة - كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم -

فإذا أبيت إلا أن تجعل بينك وبينه وسيط وشفيع فما قدرته حق قدره ولا أيقنت بسعة رحمته للمؤمنين، بل طلبت من النبي

(1/69)


أن يحابيك دون غيرك بالشفاعة، واتهمت الله أيضاً بالمحاباة كما تقدم.

س) ما هو واجبنا نحو الله؟
ج) هو ما قدمنا من تحقيق التوحيد بإخلاص العبادة له والنصح والصدق معه وبذل النفس والنفيس في إعلاء كلمته، وقمع المفتري عليه بجميع وسائل الجهاد.

وأن يعتبر الإنسان نفسه عبداً مملوكاً لا يتصرف في شيء إلا وفق أوامر مولاه تبارك وتعالى.

ولا ينفق مال الله إلا بحقه وفيما يرضيه، ولا يتقدم على جنابه العظيم بأي حكم أو تشريع مخالف لما أنزل.

ولا يؤثر محبة شيء أبداً على طاعته ونصرة دينه، ولو أقرب قريب، بل يعاديه في ذات الله إذا اقتضى الأمر.

س) ما هو واجبنا نحو رسول الله؟
ج) ينضبط واجبنا نحوه صلى الله عليه وسلم بتحقيق قوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، فيجب أن يكون أحب إلى كل مسلم مؤمن من نفسه ووالده وولده وأمواله والناس أجمعين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) .
فمحبته لا يكتفي فيها بأصل الحب بل لا بد من إيثاره في الحب على كل شيء، وأن يكون حقه صلى الله عليه وسلم آثر من حقوقنا، وحكمه

(1/70)


أنفذ علينا من حكم أنفسنا، وشفقتنا عليه وعلى نصرة ما جاء به من الحق أعظم من شفقتنا على أنفسنا وعلى أقرب قريب لنا.

وأن نبذل دونه المهج والأرواح ونجعلها فداء له، وأموالنا وقاء له في كل نائبة تجري على دينه.

وأن لا نتخلى عن الدفاع عن سنته ودينه القويم بالسلاح والقلم واللسان، فإن المتخلف بقلمه ولسانه جرمه أشد من جريمة المتولي يوم الزحف.

وأن لا يصدنا عن ذلك ما يتح لنا من المصالح والأهواء والمناصب، ولا ننحرف عنها إلى ما تجدد من المبادئ والمذاهب، ولا يشغلنا عن نشر سنته وتبليغ دعوته أي شاغل، ونجعل ما نستحصل عليه من كد وكسب في هذا السبيل، لنجعل من حياتنا امتداد لحياته الطاهرة، فيكون قرطا لنا في الدار الآخرة.

وأن نتبع جميع ما يدعونا إليه ونستفصل عن سنته لنقتدي بها، فإنه لا يعمل إلا خيراً ولا يأمر إلا بما فيه الخير والعز والسعادة.

وأن ننصرف عن جميع ما ينهاها عنه، فإنه لا ينهي إلا عما فيه الشر والشقاق الأبدي، وقد وصف نفسه بأنه آخذ بحجز أمته عن النار، فينبغي أن لا تنفلت منه فتقع في خزي الدنيا وجحيمها وعذاب الآخرة وحميمها.

(1/71)


س) ما هو مثل السوء أجارنا الله منه؟
ج) هو ما ضربه الله لمن كلفه بحمل كتابه عملاً ونصحاً وتبليغاً فتقاعس عن حمله كما قال تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} .

فشبه من لم ينتفع بما أنزل الله عليه بحمله الصحيح بـ (الحمار) الذي يحمل الكتب ولا يستفيد منها.

وضرب مثلاً آخر أسوأ من هذا لمن انخلع من آيات الله ووحيه وطرحها إلى غيرها تقديساً للأرض والجنس وحباً لشهوات النفس ورغباتها.
فشبهه بالكلب، وأخبر عن خبث سيرته في الأرض وإيذائه للناس بقوله تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ..} .

وهذه طبيعة حتمية للمنحرفين عن هدى الله ورسوله، تجدهم يتهارطون تهارط الكلاب علانية على رؤوس الأشهاد ولا يخجلون من تفكه أعدائهم عليهم.

فهذه معجزة عظيمة من معجزات القرآن الخالدة.

(1/73)


س) ما حقيقة الزهد؟
ج) هي أن لا يجعل الدنيا غاية قصده أو يؤثرها على الاخرة، ويفضل السعي للتفاخر والتكاثر بها.

بل تكون غايته من العمل نصرة دين الله والسعي للآخرة، الذي يحقق بها جميع معاني الجهاد في سبيل الله وحسن المعاملة معه ومع خلقه.

وليس الزهد الانصراف عن الأعمال والتخلي عن شؤون الحياة والعيش عيشة الدروشة التي هي من رواسب الوثنية.

فإنها لا يجوز أن تسمى زهداً، فهي جبن وضعف نفس وتعطيل للمواهب والطاقات البشرية.

وهي من المبتدعات السيئة التأثير المسببة لتأخر المسلمين عن السبق الصحيح والزحف بدينهم ورسالتهم إلى الأمام، حتى غزاهم أهل الباطل في عقر دارهم ومزقهم شر تمزيق.

س) ما حكم التقليد؟
ج) التقليد في أصول الدين والتوحيد لا يجوز، بل يجب فهم الدين كما جاءت به الرسل على وجهه الصحيح الملهب للضمائر والدافع لجميع القوى والجوارح إلى الأمام في سبيل الله.

أما في فروع الدين فيجوز تقليد أي مذهب من المذاهب السنية، ولو لم يلتزم مذهباً معيناً.

بشرط أن لا يتتبع الرخص.

وعلى العالم البحث عن الدليل والحرص على التمسك بما كان أقرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم من غيره في تفريعات المذاهب.

(1/74)


س) هل يجوز الطعن على المذاهب السنية بحجة الأخذ بالحديث؟
ج) تعلم الحديث والاستنباط منه فرض كفاية - استقلالاً - ولكن لا يجوز لمن رزقه الله طول الباع فيه، فضلاً عمن أولي منه قليلاً، أن يطعن على المذاهب أو يندد باتباعها في الفروع.

لأنها مرتكزة على الكتاب والسنة والقياس المستنبط منهما في فقه الأحكام، ويندر أن توجد مسألة فقهية مرتكزة على تعليل شاذ.

ولا يجوز لمدعي الحديث أن يقرن المذاهب السنية بمذاهب المبتدعة من أهل الكلام، الذين يرون النصوص الشرعية لا تفيد اليقين والعياذ بالله.

فالفرق عظيم بين هذه وهذه، كما لا يجوز أيضاً أن يفرض إقامة الحجة على المقلد المتمذهب ببعض المذاهب السنية بمجرد تلاوة بعض الأحاديث عليه.

لأنه يرى أن إمامه أعلم بحديث الرسول من هذا، ولم يقلد إمامه إلا ليقينه أنه أعرف بالسنة، لا لأنه منطقي يأخذ بالمعقول.

فأفهم تغنم.

س) ما حكم تعلم العلم والفنون والصنائع؟
ج) تعلم العلم الشرعي فرض كفاية على كل مسلم، وقد يكون فرض عين عند الحاجة.

وكذا تعلم الفنون الصناعية والحرف والمخترعات الضرورية للمجتمع حسب أوضاع كل زمان.

ولولي الأمر جبر فئة من الناس عليها، ومنه من يتخلى

(1/75)


من أهل الصنائع عن حرفته، وإجباره على العمل وتشجيعه من مال الله الذي هو بيت المال.

وعلى كل عامل من المسلمين بذل الجهد في الإبداع والاختراع وتسليح وتسخير كل مادة نصحاً لله ورسوله، بنية إعزاز الدين ورفعة شأن المسلمين وإعلاء كلمة الله في الأرض وقمع المفتري عليه.

س) ما حكم السحر؟
ج) هو من كبائر الذنوب المنصوص عليها.

وقد يكون الساحر مشركاً أو كافراً أو مفسداً، يجب قتله قصاصاً أو حداً أو تعزيراً.

حسب نشاطه في الفتك أو الشعوذة أو الفتنة عن الدين أو تسهيل الفساد لطالبه أو تغطية الجرائم أو التفريق بين المرء وزوجه أو عمل ما يفتك بالحياة أو يزيل العقل، إلى غير ذلك من سوء نتائجه.

س) كيف جعل الله (الفتنة أشد من القتل) وما معناها؟
ج) بما أن حياة الإنسان الحياة الطيبة هي بصحة دينه وحسن أخلاقه وسلامة عقله وتفكيره من المؤثرات.

فإن القيام بفتنته عن دينه وإفساد أخلاقه وبلورة تفكيره يعتبر قتلاً معنوياً لروحه وجناية على عقله، وقتل الروح أعظم من قتل الجسم، فلذا قال تعالى {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} ، {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} .

لأن الطواغيت الذين

(1/76)


يصدون الناس عن دينهم بفتنة القوة أو الإغراء بالدعايات الباطلة التي يضلون بها الناس، ويحسنون بها القبيح وينددون بالطيب، ويشغلون الأمة عن القرآن بما يقذفونه عليهم من لهو الحديث الباطل والمجون، ويصرفونهم عن حب الله وطاعته والعمل لأجله إلى حب الأوطان والعشائر وتقديس الأمور المادية والعمل من أجل ذلك، (. . . [4] . . .) الدعاة إلى الله بكل نقيصة.

هؤلاء فتنتهم أشد وأعظم نكاية وعاقبة من القتل، وقد أخبر الله عن فرعون أنه رمى المؤمنين بموسى بتدبير مؤامرة لإخراج الناس من بلادهم.

كما رمى قبلهم موسى وهارون بذلك، إذ قال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} ، وقال لمن آمن به {آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا..} .

وجميع أنواع الفتنة والتضليل الذي عمله ويعمله المبطلون للصد عن سبيل الله وإغراء الناس على الخروج من حكم دينه وعداء أهله وإيذائهم، هي أشد من القتل وأكبر لا محالة.
---

4) العبارة غير مفهومه (منبر التوحيد والجهاد) .

س) ما معنى التقوى؟
ج) التقوى مشتق في أصل اللغة من التوقي، وأخذ الوقاية عما يضر.

وبما أن الإنسان يجعل لنفسه وقاية عن حر الشمس من الاستظلال بمظلة واللجوء إلى ظل، فعليه أن يأخذ لنفسه وقاية من عذاب الله وناره.
وكما يتقي من الحر

(1/77)


باستعمال المراوح والمكيفات ومن البرد بالملابس واللجوء إلى مواطن الدفئ، يطلب الله منه أن يأخذ وقاية من حر جهنم وزمهريرها.

وكما يأخذ لنفسه وسائل الوقاية من عدوه في الدنيا فليأخذ لنفسه وقاية من زبانية جهنم.

فهذا مدلول أمر الله لعباده بالتقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} .

وكيف يقي الإنسان نفسه وأهله منها إلا بالتربية الدينية التي تحسن بها معاملتهم لله.

س) أيجوز إطلاق هذه المقالة (إرادة الشعب من إرادة الله) ؟
ج) هذا افتراء عظيم تجرأ به على الله بعض فلاسفة المذاهب ومنفذيها جرأة لم يسبق لها مثيل في أي محيط كافر غابر القرون.

إذ غاية ما قص الله عنهم التعلق بالمشيئة بقولهم {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} ، فكذبهم الله.

وهؤلاء جعلوا للشعب الموهوم (إرادة الأمر) لتبرير خططهم التي ينفذوها، ويلزم من هذا الأفك إفساد اللوازم المبطلة له والدامغة لمن قاله.

إذ على قولهم الفاسد يكون للشعب أن يفعل ما شاء ويتصرف في حياته تصرف من ليس مقيداً بشريعة وكتاب، بل على وفق ما يهواه وعلى أساس المادة والشهوة والقوة، كالشعوب الكافرة التي لا تدين بدين يقبله الله ولا ترعى خلقاً ولا فضيلة.

فهذا

(1/78)


الأفك العظيم لم يجرأ عليه أبو جهل ومن على شاكلته مع خبثه وعناده.

لأن قبحه معروف ببداهة العقول، حيث أن أذواق الشعوب ونزعاتها تختلف، فإذا جعلت إرادة الشعب من إرادة الله صارت نزعات الوجودية والشيوعية والنازية والصهيونية ووحشية الغاب وغيرها من إرادة الله التي أمر بها، وصار كل ما تهواه النفوس الشريرة ويعشقه مرضى القلوب من التهتك والانحلال ومعاقرة الخمر ودغدغة الغرائز وإشباع الشهوات على حساب الغير من أمر الله.
فعلام ينتقدوا على غيرهم ويصيحوا عليه إذا كانت إرادة الشعوب ورغباتها من إرادة الله في حكمه الذي يرتضيه.

ولأي شيء يرسل الله الرسل وينزل الكتب ويشرع الجهاد والأمر والنهي على الناس إذا كانت إرادتهم من إرادته التي يرتضيها، هذا هو عين المحال ومنتهى الفجور والضلال.

والذين تزعموا هذا الأفك لا يطبقونه على أنفسهم، بل يسمحوا لها بغزو الشعب الذي لا يخضع لسلطانهم ويسير وفق أهدافهم، فكأن الشعب الذي يحكمونه هم بقوة الحديد والنار هو الشعب الذي أرادته ألوهية من أراده الله.

والباطل لا بد أن يتناقض وينادي على نفسه بالبطلان.

فقد أشركوا بالله شركاً عظيماً إذ جعلوا الشعب ندا من دون الله وأهواءه أنداداً لشريعته وحكمه بدلاً من أن يكون محتكماً إلى الله ملتزماً لحدوده متكيفاً بشريعته منفذاً لها.

(1/79)


س) وما مقالة من يقول (الدين أفيون الشعوب) ؟
ج) هذه مقالة نطق بها (كارل ماركس) اليهودي الذي نبش الشيوعية المزدكية اليهودية بعد ما قبرها الإسلام، فاخترع هذه المقالة بزعم أن الدين مخدر ومبلد للشعوب.

وكلامه مردود بالحق الحقيق بالقبول، وهو أن الدين الصحيح الحنيف ملة إبراهيم الذي أمر الله خلقه بإقامته؛ دين يلهب القلوب والمشاعر محرك لجميع الأحاسيس والقوى دافع بها إلى الأمام، لا يقبل من أهله الذل والاستكانة والخضوع للظلم ومجاملة الأعداء والسكوت على الباطل والفساد، أو الجمود على طقوس، وأوضاع ما أنزل الله بها من سلطان.

بل يوجب عليهم النهوض والاستعداد بكل قوة وتسخير كل دابة ومادة على وجه الأرض أو في جوفها أو أجوائها كيلا يغلبهم عدوهم في ذلك، وأن يجعلوا جميع مواهبهم وطاقاتهم في سبيل الله لإعلاء كلمته وقمع المفتري عليه، والبراءة ممن جانب دينه وتنكر لحكم شريعته.
فهذا الدين صحيح على العكس مما قاله اليهودي وأتباعه من تلاميذ الأفرنج، الذين ربوهم وأبرزوهم لمحاربة هذا الدين الصحيح، الذي لا يوقف في وجوه أهله لو حملوه كما أنزل.

أما الأديان الأخرى المزعومة من لاهوتية وثنية فيصح أن يقال عنها بكلمة اليهودي لتقيد أهلها بالخرافات وتقييدهم العلم الفني والاختراع عن الانطلاق.

(1/80)


س) وكيف قولة من يقول: (الدين سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة وقد ذهب بأمن الحياة ذاتها) ؟
ج) هذا قول منشؤه الثقافة الفاجرة الكافرة المغرضة، وهو متناقض تناقضاً لا يخفي على ذي لب غير متأثر بها، كشأن الباطل دائماً ينادي على نفسه بالبطلان.

وذلك أن كل إنسان لا يحصل له تأمين الحياة والعيشة الراضية إلا إذا سعى سعياً صحيحاً لتأمين ما بعدها، بمراقبة رب العالمين حقاً والوقوف عند حدوده بإعطاء كل ذي حق حقه دون غش ولا مراوغة، بل بما رسمه الله على لسان رسوله إذ قال: (عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به تكن مسلماً، وأحب للناس ما تحبه لنفسك تكن مؤمناً) ، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ، (ولا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) ، (الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ، (إن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرماً فلا تظالموا) ، إلى غير ذلك.

وما في القرآن من قوله {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ، {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} ، وغيرها من الآيات الكثيرة،

فبلزوم الناس هذه الطريقة الدينية الصحيحة يحصل لهم الأمن والتعايش السلمي في الحياة أولا، ثم بعدها ثانياً.

وما أذهب

(1/81)


على الناس أمنهم إلا افتياتهم على دين الله وخروجهم عن تعاليمه النافعة في الحياة وبعدها طبعاً.
فهذا الأفاك الأثيم صاحب هذه المقالة هل يطمع بالأمن في الحياة والتعايش السلمي إذ نبذ الناس دين الله وتعلقوا بالمادة والأنانية وحب الشهوات وطلب الرئاسة والعلو في الأرض؟

ألم يحصل بذلك الشر المستطير؟ ألا يرى العالم مهدداً في كل وقت وحين بحروب طاحنة قد خلت من قبلها حروب؟ ألا يرى الدول المادية منهمكة في صنع ما يدمر المدنية ويفتك بالحياة؟

حقاً إن تأمين الحياة لا يحصل إلا بالعمل الصالح الخالص المقصود به تأمين ما بعدها خوفاً من الله ورجاء ثوابه.

وذلك لا يتحقق إلا بالإيمان بالغيب الذي هو مصدر الخير ومنبع الفضيلة والجمال كما أسلفنا.

ولذا حصر الله الهداية والمنفعة بالتذكرة عليه، فقال في فواتح القرآن {.. ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ، {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} .

إلى غير ذلك من الآيات والأحكام، التي لما انطبع بها أسلافنا كانوا أصلح الخلق وأنصح الخلق للخلق وأرحم الخلق بالخلق، ممتثلين ما قدمناه من الآيات والأحاديث وأضعافها مما فهموه وطبقوه.

ولما حرمت (أوروبا) من الإيمان بالغيب وثمرته الطيبة كانت على العكس من ذلك، أفسد الخلق وأعشق الخلق للخلق وأفتك الخلق بالخلق،

(1/82)


وكان على سيرتهم كل من تقبل ثقافتهم وسار على منهاجهم.

س) وكيق بقول من يقول (الدين سبب الطائفية والشقاق) ؟
ج) هذه فكرة ركزها الاستعمار في تعليمه الثقافي الذي هو امتداد للحروب الصليبية، ضمن تخطيط صهيوني أثبتته البروتوكولات الصهيونية المكتشفة، تلقاها بالقبول والتشجيع أصحاب المبادئ القومية والمذاهب المادية والنحل الوثنية المطلية بشعارات يستحسنها الذين نسوا حظأ مما ذكروا به، والمندفعون لحاجات في صدورهم، وهي منبثقة من تلك البروتوكلات.
والدين الإسلامي الصحيح على العكس مما رموه به، فهو مصدر الوحدة الصحيحة، وتحقيقه سبب العز والتمكن والتضامن والتراحم والبذل والإيثار، وأي طائفية في دين يقول لأهله {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .

وإنما نشأت الطائفية ممن لا يعترف إلا بدينه وبذم ما سواه، كاليهود والنصارى الذين أخبر الله عنهم إنهم يعرفون نبينا كما يعرفون أبناءهم فكتموه وهم يعلمون، وبذروا بذور الطائفية بشتى الدسائس.

فالطائفية تنشأ دائماً من الافتراء على الله، سواء كان بحجة دين كاذب أو مذهب مادي أو وثني يصبغ بطلاء الجنس والوطن.

(1/83)


(. . . [4] . . .) من الإسلام في الوقت الذي لم تأخذ المادة في قلوبهم محلا، فلما احتلت المادة والأنانية مكاناً في القلوب لعبت السياسة دورها في بث التفرقة والشقاق، باسم مذهب أو أسرة وباسم ملة أو نحلة وفلسفة، هذا كله مع التظلم من الأوضاع والتنديد بالمسؤولين والاختلاق والأكاذيب وتزوير الوثائق والمكاتيب لإضرام نار الفتنة والتحزب.

حتى جاء دور الحرب الصليبية الغاشم البشع، وما أعقبه من تعسف سياسي ومكر ومؤمرات لئيمة تصبغ بأسماء مذهبية، على الرغم من حسن معاملة المسلمين مع الغزاة المغلوبين والخونة المجاورين من أولئك.

وكل هذا امتداد لما قبله من الدسائس السياسية ضد الإسلام، ليشغلوا أهله في أرضهم ويوقفوا مده الثوري عنهم، فيبقى كالمريض في بيته.

فما يرى من ظاهر الطائفية المذهبية هو في الحقيقة مبادئ وأحزاب سياسية مطلية بطلاء المذهبية المختلفة، فالعيب والجريرة هي على السياسة الماكرة الكافرة، لا على الدين الصحيح الذي اختاره الله أساساً للوحددة بجميع معانيها.
ثم أن الصليبيين لما عجزوا عن محاربة الإسلام بالسيف غزوه غزوا ثقافياً بذلوا فيه الأموال الطائلة للمبشرين، ولما أخفقوا بعد مجهودهم الكبير وأيقنوا استحالة تنصير المسلمين، أبرموا

(1/84)


الأمر الجديد لإخراج أبناءهم منه فقط دون أن يتشرفوا بالدخول في المسيحية على زعمهم، بل يعيدوهم إلى ضروب من الوثنية تحت تقديس الجنس والوطن واستبدال حدود الله بحدوده، وحماية كيان القوم بدل حماية دين الله، واستبدال محبة الله ورسوله بحجة هذه الطقوس والشعارات، ودعوى العمل للوحدة التي تجمع الفرق تحت اسم القومية بدلاً من الدين، كأنه لبنٌ خالص لا يجري بين أهلها الشقاق ولا تحل فيهم الأنانية والانتهازية.

وقد عكس الله مقاصدهم وأحاط مجتمعهم بالفوضى وكافة الخلافات والمخازي، ولكنهم يغالطون ويخادعون لتبرير خطتهم الأثيمة وتغطية باطلهم على الأغمار والسطحينن.

فيرمون الدين بدائهم هم، يرمونه بالطائفية، وهم بها أحق وألصق.

وقد تحمس لهذه الفكرة الخاطئة لفيف من النصارى ليخدعوا بها المسلمين على حساب الدين الإسلامي الصحيح، الذي بشر به عيسى فكذبوه، وهو الدين الذي اعترف بكرامة عيسى وأظهر براءة أمه، فأبى لؤمهم إلا أن يخاصموه ويمكروا بأهله ويوالوا اليهود وينفذوا مخططاتهم ضده، وهم الذي آذوا عيسى وحاولوا قتله وقالوا فيه وفي أمه بهتاناً عظيماً، وكانت خطتهم على حساب ديننا، لا على حساب دينهم المزعوم الذي يبرأ منه عيسى وكل نبي.

وقد ضمن الله الوحدة والعز والتمكين بتحقيق دين محمد عليه السلام وكتب الشقاق العقيم على

(1/85)


من تنكب عنه وتولى، قال تعالى {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} ، فحصر الله حالتهم في الشقاق كما هو واقع فعلاً بينهم الآن.
على الرغم من زعمهم الوحدة الكاذبة، وموالاتهم أعداء الله ورسله تبديلاً منهم لقول الله الذي نهاهم عن موالاتهم وأمرهم بالبراءة منهم كلياً.

والله غالب على أمره.
---

4) العبارة غير مفهومة (منبر التويحد والجهاد) .

س) ما حكم هذه المقالة (الدين لله، والوطن للجميع) ؟
ج) هذه المقالة انبثقت مما قبلها وصاغها الحاقدون على الإسلام الذين رموه بالطائفية بهذه الصيغة المزوقة إفكاً وتضليلاً، ليبعدوا حكم الله ويفصلوه عن جميع القضايا والشؤون، بحجة الوطن الذي جعلوه نداً لله وفصلوا بسببه الدين عن الدولة، وحصروه في أضيق نطاق.

فأعادوا بذلك الحكم القيصري والكسروي بألون وأسماء جديدة، والعبرة بالمعاني؛ من سوء التحكم والأعمال المخالفة للشرع، وعدم العدل، لا بالأسماء والألقاب.

فهي خطة شركية قل من انتبه لها، ولا يجوز للمسلمين إقرارها أبداً، ولكن غلبت عليهم سلامة الصدر فاغتروا بما يطلقه أولئك من الدجل والتهويل ويخادعون به الله والمؤمنين، من دعوى تعظيم الدين والارتفاع به عن مستوى السياسة التي هي غش وكذب، ليخدعوا به المسلمين ويخرسوهم.

والله لا يرضى من عباده أن يتهاونوا

(1/86)


بالحكم ويتنازلوا عن حدوده قيد شعرة، أو تنقص فيهم الرغبة الصادقة في تنفيذه - بدلاً من أن تنعدم - لحب وطن أو عشيرة، بل ولا لحب ولد أو والد أو أخ قريب.

فالدين الذي لله يجب أن يسيطر على الجميع ويكون أحب وأعز من الوطن، وأن لا يتخذ الوطن أو العشيرة ندا من دون الله ويعمل من أجله ما يخالف حكم الله، وتبذل النفوس والأموال دون كيان العصبية القومية وفي سبيل الوطن لا في سبيل الله لإعلاء كلمته وقمع المفتري عليه، بل لتعزيز المفتري عليه.

فهذه وثنية جديدة أفظع من كل وثنية سبقتها، إذ يعملوا تحت هذا الشعار الوثني ما يشاؤون، ويخططوا لحياتهم الوطنية تخطيط من ليس مقيداً بشريعة ربه.
وكونها أفظع من كل وثنية هو لمزيد فتنتها وإخراجها للناس بهذا الأسلوب الذي صاغته (أوروبا) هروباً من حكم الكنيسة، والله يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} ، ويقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ..} .

وقد عملوا منذ زمن طويل على ذلك حتى كسبوا بعض أولاد المسلمين فنفذوا لهم هذه الخطة التي طوحوا بها حكم الإسلام، بحجة أقلية نصرانية، انتحلوا هذه النحلة من أجلها فيما يزعمون (. . . [5] . . .) في تقديس الجنس، وعطلوا دعوة الإسلام وأوقفوا زحفه إرضاء لهذه الأقلية وإغضاباً لله.

بينما هي

(1/87)


تزحف بالدعاية النصرانية وبث الإلحاد على حساب المسلمين وفي عقر بيوتهم، وجعلوا الحكم لغير الله من أجلها.

وأباحوا من أجلها ما حرم الله بإقرارهم له، وإعفاء مرتكبه من العقوبة، ليشهدوا لهم مع تلاميذ الأفرنج من أبنائهم إنهم متحررون كفوء للحكم.

فيا له من دين جعلوه يتلاشى أمام مصالح الوطن وأوضاعه التي يتعشقونها، فكأنهم قالوا (الدين لله يطرح ظهرياً ليس له حق في شؤوننا الوطنية من سياسة وعلم واقتصاد وغيره) ، مرحى مرحى لهذا الدين المعطل المطروح على الرف.
---

5) العبارة غير مفهومه (منبر التوحيد والجهاد) .

س) إذا ما هو السير المجدي في الحياة؟
ج) هو السير على صراط الله المستقيم الذي أوجبه الله وسار عليه الرسول وأصحابه، وأن نتبنى الإسلام تبنياً صادقاً صحيحاً بروحه وتعاليمه، ونكون به مثالاً يحتذي.

ولا نوالي من حاد عنه بحجة عصبية أو وطنية أو هدف مادي مما قذفت به علينا الثقافة الاستعمارية، وإن لا نخرج عن تعاليم الإسلام قيد شعرة.
ونوالي في الله ونعادي فيه، لا نوالي أحداً أو نعاديه لغاية أخرى على حساب الإسلام، بل نقف مع إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وقفة المناصر المدافع، كالبنيان المرصوص، ونعادي من يمتهنهم أو يؤذيهم أو يضيق عليهم سبل المعايش.

فتتعالى عليه صيحاتنا حتى نكشفه ونخزيه، ونعمل بجد وإخلاص على سد ثغور الشقاق بتخليص

(1/88)


الدين من شوائب البدع والطرق التي أنشأت ونشأت لأغراض سياسية، ولا تنخدع بطلب الوحدة أو رجائها في غير الدين.

فإن ما يزعمه تلاميذ الأفرنج الخارجون عن حكم الله إلى غيره من مقاومة الانتهازية والرجعية إفك صراح وزعم خيالي لا يمكن تحقيقه، لأن خطتهم هي الجالية للانتهازية المشيعة بها.

وهي عين الرجعية التي رجعوا بها إلى الوثنية المادية بألوان جديدة وأعادوا بها كل خلق ذميم، ولا يمكن زوال الانتهازية وقتل الأنانية إلا بتحقيق الدين الحنيف {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} .

تالله إنه لا يليق بالشعوب الإسلامية والعرب خاصة أن تتبنى هذه الأفكار الغربية التي اضطرت إليها شعوب (أوروبا) المادية، فهي لا تليق بكرامة المسلمين ولا تتفق مع رسالتهم التي أوجب الله عليهم حملها.

بل تنزل بهم من مقام الأساتذة الربانيين في الأرض المتكيفين بهدي الله والمسيرين للدنيا بجميع نظمها على ضوئه إلى مقام التلاميذ الضعفاء الصعاليك المتلقفين لما عليهم بدون إحساس.

وهي أيضاً إذابة لشخصيتهم بين الأمم وإعدام لميزتها التي ميزها الله بها، حيث تندمج بتلك الأفكار ضمن الدول والأمم العلمانية اللادينية.

فتخرج من الخيرية التي هيأها الله لها وأناط سؤودها وشرفها به.

ومن ثم نهانا الله عن التشبه بأي قوم في شعائرهم وشعاراتهم وأزيائهم كي لا تنحدر هذه الأمة عن مستواها في قليل ولا كثير.

(1/89)


س) هل على العرب زيادة تأكيد في النهي عن ذلك؟
ج) نعم يتحتم على الأمة العربية بجميع شعوبها الصحيحة أن لا تنحاز إلى العلمانية اللادينية أو تطبق شيئاً من الأفكار الدخيلة بحجة ما، أو تجعل الوطن والمادة هما الغاية في كل شيء والدين (صفر على الشمال) .

لأنها إن ربحت - على سبيل الفرض - أقلية في جوف بلادها فهو أولاً تحصيل حاصل.

وثانياً؛ هو خسارة عظيمة لقاء طرحها رسالات ربها وتخليها عن قيادة الأمم وهداية أهل الأرض.

كما تخسر أيضاً مودة جميع المسلمين وارتباطهم الروحي بها في المشارق والمغارب، وتجعل الدول أولئك حجة على المسلمين الذين يتعلقون بالعرب النابذين لدينهم والمعرضين عن قضاياهم.

فيخسروا المكانة الروحية التي احتلوها بسبب الدين ويفقدوه من مئات الملايين.

ثم لا يربحوا من الأقلية التي يزعمونها كما يربحوها لو طبقوا الإسلام.

س) هل يجوز إنكار الجن وما حكم منكرهم؟
ج) لا يجوز إنكارهم شرعاً ولا عقلاً، فهم عالم ظهرت آثاره، بحيث اضطر الملاحدة القدماء المنكرون لهم إلى الاعتراف بقوة غيبية سموها (قوى الشر) ، كما سموا

(1/90)


الملائكة (قوى الخير) ، مع إنكارهم لهم أيضاً.

والمنكر لهؤلاء وهؤلاء مكذب لله القائل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ، والقائل لرسوله عليه السلام: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} ، {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} .

فالمنكر لهم منكر لقول الله، معترض للحكم بالردة من الإسلام بعد قيام الحجة عليه بتفهيمه لذلك.

ثم إن إنكارهم رجعية قديمة كما ذكرنا.

(1/91)


حكم التشرِيع
إن ما أمر به الشارع من قول وفعل فيه مصلحة لبدن ابن آدم خاصة؛ فضلاً عن المنافع الأخرى، والأجور المضاعفة عند الله، وعلى الأخص الصلاة.
وما نهى عنه الشارع؛ ففيه أضرار بالجسم زيادة على أضراره الأخرى في المجتمع، وما فيه من الإثم والعقوبات، وعلى الأخص الحقد والكراهية والحسد والشك.

وإستعمال الأشربة المسكرة والمخدرة بأصنافها المتنوعة، حتى المفتر منها. فقد أثبت الطب الحديث بالتشريح والنظارات المكبرة جداً، أن في الجسم مواد كثيرة متنوعة، ما تدفع عنه ما يعرض له من أدواء وجراثيم، مثل الكريات البيض التي تتصادم مع الجراثيم الوبائية فتقتلها أو تبتلعها وغيرها من مواد إضافية ومفرزات كيماوية، يحملها الدم ويتحول بعضها من سائل خفيف إلى شبه نسيج من الخيطان، يتجمع حول الجرح الحادث ليضيق مساحته، ويجعله يلتئم بسرعة، وهذا

(1/93)


يسمى في عرف الطب الحديث "ينبر يتوجين"، إلى غير ذلك مما بثه الله للدفاع الداخلي في جسم الآدمي عما يطرأ عليه.

لكن هذه الوسائل الدقيقة العظيمة المفعول في مقاومة الأدواء، تتأثر جداً بما يلتبس به الإنسان من حقد ملتهب، وكراهية متبرمة، وحسد وغضب ينشأ منهما، وبتأثرها لها لا تستطيع على مقاومة عوارض الأدواء، فيستفحل المرض في البدن، حتى قد يعود خطراً بضعف تلك الأشياء عن المقاومة، بسبب تلك الذنوب.

وإن المشروبات التي فيها كحول مسكرة أو مخدرة أو مفترة، يكون لها أسوء التأثير قي شل حركة تلك المواد عن مقاومة الأمراض، زيادة على ما تنقله معها من الأدواء المضرة. فإذا تواصل هجوم الأدواء على البدن، مع إنعدام المُدافع فيه لها، استفحل المرض وامتدت جذوره الفاتكة.

فالله لم يحرم على عباده إلى الخبائث التي ينتج عنها الإضرار مادياً ومعنوياً، أدبياً وروحياً. الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم، بسلب صحة أبدانهم وقلوبهم وأرواحهم العزيزة، فهو الرحمن الرحيم العليم الحكيم لا إله إلا هو.

وما أمر به عباده، فكله خير ونعمة وشفاء ورحمة ومنفعة مادية وأدبية لأموالهم وأفهامهم، ومعنوية لأبدانهم وأرواحهم.

(1/94)


فالتوحيد الذي هو أصل الأصول، له تأثير عظيم في ضبط الصحة وحمايتها، ومدافعة أكثر ما يطرؤ عليها من أمراض.

إذ سبب الأمراض في الغالب مخالفة أوامر الله في إسراف بأكل أو شرب وإقتراف معصية تحدث أوجاعاً في القلب أو البدن، كالزنا واللواط أو إطلاق النظر إلى ما لا يحل، والتولع بعشقه، ثم التحسر على صعوبته أو عدم تحصيله، أو الهيام به، مما يتأثر به القلب، ليشقى هو والبدن جميعاً، ويصاب بعلل شتى قد يكون من بعضها السل أو السرطان، وقد تزداد الآلام إذا انضم إلى ذلك صرف المال ولم يحصل المطلوب، فتزداد الحسرة وتتفاقم الأمراض، أو بما يولع به نفسه من المشروبات المسكرة والمخدرة التي يسترسل فيها طالباً الشفاء ببعضها من بعض والتعلل بها بفقدان الإحساس عما يجده من الحسرات على عدم تحصيل مطلوبه من مال أو رغبة أو معشوق، كالمسترسل في المعاصي، لما يجد فيها في صدره من الضيق والهم والغم، الذي يجعله يعاودها لعله يشفي غليله، كما قال شاعر هذا النوع:
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
فإن التوحيد الصحيح الخالص يقوي القلب على فعل الخير ويشرح الصدر ويجعل الإنسان متوجهاً إلى الله، متعلقاً به في جميع أموره، منصرفاً إليه بالحب والتعظيم

(1/95)


والخوف والرجاء والإجلال والطاعة والإنقياد والتوكل والإنابة، ودوام ذكر الله محبة وخضوعاً، فيمتلئ القلب من محبته وتعظيمه، بحيث لا يكون فيه فراغ لغير حب الله وما نزل من الحق، بل يكون الله أحب إليه مما سواه وأجل مما سواه ولا يرى اللذة والنعيم والسرور إلا بذلك، فيكون هذا القلب الذي هو ملك الأعضاء قد استكمل ملوكيته ومعنويته من الحياة والعلم وقوة الجنان ونفاذ البصيرة وكمال الرغبة إلى الله والاعتماد إليه والالتذاذ بذكره وتلاوة كتابه، فيكون القرآن ربيعاً لذلك القلب يرتع في حكمه ومواعظه وتوجيهاته أعظم مما ترتع الأجسام في الربيع الخصب، فيكون شفاء لهمه وغمه ومسلياً له يستغني به عما سواه، فلا يألف إلا الطاعات المزكية لنفسه المرغمة لعدوه من شياطين الجن والإنس، ولا يكون فيه هوى مخالفاً لما في كتاب ربه فيسلم من الأمراض التي تنشأ غالباً من المعاصي كما قدمنا، ثم يتحصن عنها ويحتمي منها بطاعة الله، فبتحقيق مقتضيات التوحيد ينفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة والابتهاج، ويستنير القلب بنور الله الذي يكون له فرقاناً يفرق بين الحق والباطل والصحيح والسقيم فيكون نشيطاً في طاعة الله، قوياً في أمره، معظماً لشعائره، غيوراً على دينه وحرماته، مسارعاً لمرضاته، مبتعداً عن المخالفات التي ينشأ منها الإثم والحرج، مجتنباً معاصيه، محاذراً منها.
عالماً أن الهوى من أكبر أدواء النفوس، ومخالفته من أعظم أدويتها، ولا يسلم

(1/96)


من اتباع الهوى ويحظى بمخالفته إلا من استمسك بالعروة الوثقى بسلوك جميع ما يقتضيه توحيد الألوهية والربوبية فكان له القرآن هادياً والرسول صلى الله عليه وسلم قائداً، فلم يتبع نفسه هواها، ولم يستجب لشيء من همسات شياطين الجن والإنس أو نداءاتهم، بل يحصر استجابته في كل شيء لدعوة الله وندائه، متيقناً أنه لا يدعوه أو يناديه إلا لما يحييه الحياة المعنوية الطيبة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} .

عارفاً أن الله أقامه في الدنيا مقام جهاد متواصل بجميع أنواع الجهاد، جهاد النفس والهوى، وجهاد شياطين الجن والإنس الذين يغزونه بالباطل، ويوحون زخرف القول ويزينون له ما يخالف وحي مولاه مما يفسد قلبه ويفسد حياته.

ثم جهاد أعداء الله الذين يقعدون بكل سبيل يوعدون ويصدون عن سبيل الله، جهاداً متنوعاً متواصلاً يقمعهم به عن الوصول إلى غاياتهم الدنيئة، التي يخدعون الناس فيها بشتى الأسماء والألقاب.

جازماً أن من أقام نفسه هذه المقام وأشغلها في ذلك يحصل على الحياة الطيبة النافعة في الدارين، ويكون من جند الرحمن المنصورين وحزبه المفلحين، وأن من انعكس فلم يستعمل نفسه في طاعة الله والجهاد في سبيله فتح على نفسه أبواب الشر فغلبه هواه واستهوته الشياطين وانقضت عليه شياطين الإنس والجن من كل جانب فكسبوا نفسه

(1/97)


العزيزة كسباً رخيصاً وكان من حزب الشيطان {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .

فهكذا يصير الإنسان في حياته لا محالة {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} .
والنفس إن لم يشغلها صاحبها بالحق، ويصنها بوحي الرحمن الرحيم، شغلته بالباطل، وسلكت به خطوات كل شيطان رجيم، لهذا كان الإنسان لا بد له من الإيمان بالغيب وإستشعار عظمة الله والخوف الشديد من

هجوم الموت الذي ما بعده إلا دقة الساعة الكبرى يوم الفزع الأكبر، {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى، فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .

فالإيمان بالغيب هو مصدر الهداية والرشد والسعادة، لأنه يجعل من ضمير الإنسان رقيباً باطنياً يراقبه في كل عمل ويخوفه من عقوبات الله العاجلة والآجلة، فيكون من ناحية على خوف ووجل من سوء المصير ومغبة التقصير فيراقب الله تماماً، مسارعاً لمرضاته، يبذل النفس والنفيس لتنفيذ أوامره في كلماته الحسنى التي تضمنها القرآن، فينشغل جسمه وقلبه بأعمال الخير والهداية عن أعمال الشر والغواية،

(1/98)


فتنفتح له أبواب الخير والسعادة بالمقاصد الحسنة والأعمال الصالحة، وتنغلق عنه أبواب الشرور باستدامة ذكر الله ومراقبته والاستحياء منه حق الحياء ومواصلة التوبة والاستغفار.

قال ثابت بن قره: (راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة الروح في قلة الأنام، وراحة اللسان في قلة الكلام، والذنوب للقلب بمنزلة السموم إن لم تهلكه أضعفته ولا بد. والضعيف لا يقوى على مقاومة العوارض) .

وقال عبد الله بن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب ... وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب ... وخير لنفسك عصيانها
ومن أعظم أمراض القلوب "فتنة الشبهات" التي يقوم بها شياطين الجن والإنس في كل زمان ومكان ليلبسوا بها على الناس دينهم ويشككوهم في خالقهم، بل في جميع أمور الغيب، ويولعونهم بحب الجنس والوطن والمادة، فيحلوا المذاهب المادية والمبادئ القومية الجنسية والوطنية محل الروحانيات التي بها سلامة الصدور وشفاء القلوب، ويشغلونهم بالمطربات الشيطانية ولهو الحديث عن ذكر الله

(1/99)


وما نزل من الحق، لتكون قلوبهم متأهلة للافتتان بالشهوات.

وإذا جثمت على المجتمع فتنة الشبهات مع فتنة الشهوات فقد شقي وضل عن سواء السبيل، وهم يمهدون بالأولى للأخرى ليحدثوا الفراغ. عن جميع أنواع الحق الذي تقتضيه عبادة الله، فيشغلوه بالباطل كل على حسبه من ذلك الفراغ والعياذ بالله.

فالإنسان - ولو كان مسلماً - كلما ضعفت في قلبه محبة الله ومراقبته، وضعفت فيه الغيرة على دين الله ومحارمه مالت نفسه إلى ما تألفها وتشتهيها من ملذات الحياة الدنيا، دون مبالاة بحكم الله فيها، أو بسوء نتائجها، لأنه بحصول ذلك يندفع إليها اندفاعاً لا شعورياً يقضي به وطره، ويشغل به فراغه، الذي حدث له. فإن حصل له شيء من التوفيق ينيب به إلى الله، انجبر الصدع الذي نابه من طائق الشيطان، وإن لم يحصل له ذلك استمر في طريق الغي والهوى الذي ينسيه الله، فيعاقبه الله بأن ينسيه نفسه فيكون منهوماً بإشباع شهواته التي لا تنقضي، واتباع هواه الذي لا يقبل معذرة ولا تسويقاً، فيجعل قي قلبه الجشع والتلهف على ما يهواه، ثم الحسرة والغيظ على عدم نيله، مما يجره إلى مسكر ومخدر يغطي عقله ويريح شعوره المتبلبل،

(1/100)


وقد يندفع إلى أنواع المشروبات يقصد بها التقوي على نهمته ناسياً أنها استنزاف عاجل يطيح بقوته عن قريب، وقد يشرب القبيح المكروه عنده من أنواع الدخان يتسلى به عن وساوس خاطره ووهج صدره، ويعاود أنواع المعاصي للاستشفاء بها عما قبلها، أو عن آثار ما قبلها وهكذا.
وكل ما حصل ويحصل للناس من التمادي في الإثم والفساد وشرب ما لا يليق لهم شربه، إنما هو ناتج من ضعف القيام بعبودية الله وتحقيق محبته وتعظيمه، وضعف إستقبال القلب لذكر الله وما نزل من الحق، وعدم الفرحة الصحيحة بكتاب الله الذي أنزله شفاءً للقلوب وعزاً وفخراً للنفوس المؤمنة، التي نعرف قيمتها بين الأمم بما هيأها الله للخيرية واصطفاها لحمل الرسالة وأداء الأمانة وإصلاح الأرض بنور الله وتطهيرها من كل كفر وظلم وفسق وفجور.

فمن عرف قيمته، وقام بواجبه، ورعى أمانته حق رعايتها، وحمل رسالته الإلهية الثقيلة، شمخت نفسه بها وترفع عن الدنايا والسفاسف، وربأ بنفسه وأهاب بها من النزول إلى مستوى الطغام والتشبه بالبهائم في نيل الشهوات.

إذ كيف يتدنى بنفسه إلى فعل ما ينهى الناس عنه وإقتراف خيانة الله أو ترك ما يأمر الناس بفعله. إذاً لا يكون صحيحاً حامل رسالة، ولا صادقاً مع الله، ولا شريفاً في

(1/101)


نفسه، بل يكون كاذباً دنيئاً متلاعباً، ولذا قال الله تعالى: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} .

فالذي يعرف قيمته، وما اختاره الله له؛ واصطفاه وخوله وحباه من جميع النعم والكرامات، يكون مشغولاً بأمرين عظيمين جداً:

أحدهما: أن يكون مشغوفاً غاية الشغف بحب من أنعم عليه بنعمة الإيجاد والأحاسيس والقوى، وتفضل عليه بسائر نعمه وفضله وجوده وإحسانه الدائم المتواصل، ويكون ذاكراً له ذكراً صحيحاً من أعماق قلبه، متفكراً في آياته وآلائه وعظمته وجلاله، سابحاً في بحر معرفته، والتلذذ بذكر أسمائه الحسنى، والفرح بقراءة كتابه العزيز.
بحيث يمتلئ قلبه من محبته وتعظيمه، والاطمئنان لوعده، والابتهاج والسرور بذكره جل وعلا. فلا يكون فيه فراغ لغير ذلك تشغله به شياطين الجن والإنس من لهو الحديث والخزعبلات والمجون، فإذا كان قلبه على ما ذكرنا سعى للقيام بشكر الله شكراً عملياً وذلك بحسن التصرف في نعمه بأن يستعملها فيما يرضيه لا بشيء مما يسخطه، وأن يكون ممتثلاً لأوامره، مسارعاً في طاعاته، مجتنباً نواهيه، حافظاً لحدوده، غيوراً على دينه وحرماته، معظماً لرسوله، مقتدياً به في كل ما يأتي ويذر، وأن يقوم بجميع أنواع الجهاد المستطاعة لقمع المفتري على الله ورسوله، وتوقير دينه، وإعلاء كلمته.

فهذا هو الشكر

(1/102)


الواجب المطلوب ليس الشكر باللسان الذي يشترك فيه كل الناس بأقوالهم الجوفاء.

ثانيهما: أن ينشغل بحمل رسالته التي اختاره الله لها واصطفاه لحملها، مقدراً ما هيأه الله له من هذه الوظيفة الشريفة، فيتشرف بكتاب الله، ويفرح به فرحة عظيمة لا تشبهها أي فرحة بأي نيل يناله، لأن القلب السليم يعرف أنه مهما نال من مُتَع الدنيا وخزائنها، فاتحاف الله له بالقرآن أعظم فائدة له من ذلك.

إذ فيه الشفاء والنور لقلبه والصيانة لجوارحه والعز والسؤدد والتفوق على غيره في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فهو مصدر عزه وسعادته، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} .
فبقوة فرحته وتشرفه بالقرآن ومحبة منزله جل وعلا واستشعار عظمته، يتلوه حق تلاوته بالتدبر الصحيح، مستغنياً بهدايته عما سواها، ساعياً في تنفيذ أوامر الله وأحكامه، قائماً حق القيام بحمل هذه الرسالة الشريفة حملاً صحيحاً بتطبيق العمل الذي يكون به أسوة حسنة للناس أولاً، ثم بالدعوة والتبليغ والدفع به إلى الأمام ثانياً.

كيلا يسبقه أهل الدعوات الأخرى ويغلبوه على حمل رسالة مولاه، فينشغل غاية الإنشغال بأداء وظيفته الشريفة التي

(1/103)


اصطفاه الله لها، فلا يكون في قلبه فراغ ولا في أوقاته مجال أبداً لغير ذلك ومع هذا فلا يتبرم أو يضجر لما يخالطه من المحبة واللذة والغبطة والسرور في ذلك، متيقناً أن العزة والسؤدد والسعادة الكاملة والحياة الطيبة في الدارين إنما هي بتحقيق طاعة الله والقيام بواجب مولاه وجندية مولاه وحفظ حدود مولاه راجياً رحمته خائفاً من عذابه المتنوع.

وبإنشغال المؤمن بهذين الأصلين ومقتضياتهما مما قدمناه يكون قد طهر قلبه مما سوى الله، وملك جوارحه واستعملها في طاعة الله، وضبط أوقاته واستغرقها في خدمة وظائف الله بغاية الحب والسرور والاغتباط.

ومن كانت هذه حاله فلا تساوره الهموم والأحزان، ولا يعتريه السخط والملل، لأنه متنعم بما يجعله معتزاً، متشرفٌ بما يسلكه متوكلٌ على الله، مستعين به، راضٍ عن محبوبه جل وعلا، صابرٌ على بلائه جازمٌ أنه تربية لنفسه وسبكٌ لضميره أحسن وأحكم من تربية المخلوق للمخلوق الذي يصطفيه في مهمات الدفاع عن مبادئه وكيانه.
وإذا كان على هذه الحال فلا يمكن أن يلهو باللعب والطرب أو ينشغل بلهو الحديث عن مهماته العظيمة ووظائفه الشريفة، ولا أن يأكل أو يشرب ما يضر ببدنه أو يخامر عقله أو يفتر نفسه أو يخدر جسمه والمفترات، كالقات والشمة والتمباك والحشيشة

(1/104)


والمشروبات الأخرى، المسكرة منها أو المفترة أو المنعشة، ونحوها مما يتعاطاه المترفون أو الفارغون أو مبلبلو الخواطر الذين ما تطمئن قلوبهم ولا تأنس بذكر الله ولم تشتغل بواجبها مما ذكرنا آنفاً.

فكل ما يعتري النفوس من تناول هذه الأشياء أو الولوع بعشق المحبوبات لديها ناشء بسبب ذلك.

فإن المحب لله يشتغل بمقتضيات محبته ولوازمها مستلذ بمحبته أعظم من كل لذة تحصل بمحبة أي معشوق في الدنيا كما أنه يكون مندفعاً ومنهمكاً بالأعمال التي ينال بها القرب من محبوبه ورضاه.

فأهل الإيمان بعد تجريد توحيد قلوبهم لله وإقبالهم عليه دون ما سواه، يكونون حنفاء لله مخلصين له لا يحبون شيئاً إلا في الله ولله، ولا يتوكلون إلا عليه ولا يرجون أو يخافون إلا إياه ولا يسألون إلا منه ولا يوالون أو يعادون إلا فيه ومن أجله، فلا يكون للهوى عليهم سبيل، أو يكون منهم إلتفات إليه، إن حاربوه وطلقوه، لأنهم قد ثبت عنهم إرادة ما سوى الله بإرادته، ومحبة ما سواه بمحبته، وخوف ما سواه بخوفه، ورجاء ما سواه برجائه.

فبذلك حققوا عبوديتهم لله ومحوا الهوى الذي يتخذ آلها من دونه.

فلم يعتريهم في سائر سلوكهم شيء مما يزاحم الألوهية

(1/105)


ويفتح للشياطين عليهم منفذاً ومجالاً، لأنهم قد صدقوا بقلوبهم وجوارحهم في محاربة الشياطين بسلاح وحي الله وتحصنوا منهم بقربه وطاعته ومحبته، فانتعشت قواهم الروحية والمعنوية بقوة إيمانهم ويقينهم وحبهم لربهم وأنسهم به وانشغالهم الدائب في طاعته واشتداد شوقهم إليه ورضاهم بما يصدر منه وعنه لفرط حبهم وحسن مقابلتهم للنعمة والمعروف.
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن غلظ طبعه وكثفت نفسه عن فهم هذا والتصديق به فلينظر حال كبير - أو كثير - من عشاق الصور الذين قد امتلأت قلوبهم بحب ما يعشقونه من - جميل وجمال - جاه أو مال أو علم وقد شاهد الناس من ذلك عجائب في أنفسهم وفي غيرهم) ، انتهى بتصرف يسير هو ما بين الخطوط توضيحاً مني.

ولا شك أن ما يتأثر به القلوب والأرواح تنفعل به طبيعة البدن من كل شيء وفي كل شيء. وإذا كان القلب خراباً من قلة التوحيد والتوكل والتقوى والخشية من الله والتوجه إليه، أو خراباً من عدم ذلك بالكلية فإنه يكون مقفراً من روح الله أعزل من ذكره وأسلحة وحيه وحصانة حبه وقربه، فإنه يكون مصروعاً بشتى أنواع الصرع، صرع الهوى والشياطين وأكثر الناس صرعى من ذلك لا يفيقون من سكر الهوى الذي بواسطته صرعتهم الأرواح الخبيثة

(1/106)


وأسرتهم الشهوات واستعبدتهم ففيهم الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند معاينة الموت إن لم يتداركه الله بلطفه وتوفيقه فيستشفي بشفاء الوحي ويصحو بقوارعه ويفيق فينيب إلى ربه فحينئذ يعرف حاله وينظر إلى أبناء الدنيا مصروعين حوله يميناً وشمالاً على اختلاف طبقاتهم وشدة انهماكهم فمنهم من أطبق به الجنون ومنهم من يفيق أحياناً وتصرعه شهواته وأطماعه وأغراضه أحياناً فإذا أفاق أبصر الحق أو بعضه فعمل بعمل أهل العقل واليقين وإذا انتابته أغراضه وانصرع بها عمل ما يتلقه ويشقيه في الدنيا والآخرة.

فلهذا تجد أهل المخالفات للشريعة يعملون ما يخالف العقل الصريح والذوق السليم بحيث لو شرع وفرض عليهم وحثهم الوعاظ على فعله لاستنكروه وقالوا هذا خرافة - هذا فعل وحشي - فلو أمروا مثلاً بالزنى لقالوا:

كيف ذلك وجميع بنات آدم أخوات لنا وعلى الأخص المسلمات؟ كيف يكون الإنسان كالحيوان ينزوا على أخته ثم يعقبه الآخر؟ أين العفة؟ أين الصيانة؟ أين المصونة؟
ولكن سكر الهوى وصرع الشيطان يدفعانه إلى عكس الحقيقة فيتعشق الخبيث النجس مقتدياً بالجعل من حيث لا يشعر.

وكذلك لو فرض عليه شرب أي نوع من أنواع الخمر

(1/107)


لقال في حال عقله الصريح: كيف أشرب ما يذهب عقلي ويزيل عني الميزة الإنسانية ويلحقني بالبهائم؟

ولو قيل له تناول الحشيشة أو الأفيون الترياق أو القات وما شاكله من المخدرات والمفترات، لامتعض من ذلك وقال: كيف أتناول ما يخدر جسمي ويبلدني ويذهب برجولتي ومنزلتي إلى مستوى البهائم؟!

كما لو قيل لذي العقل الصريح والقلب الذي لم يتأثر بأمراض الغفلة والإعراض عن الله: إن شرب الدخان مفترض عليك من سيجارة إلى حشيشة ونحوها، لقال: الله أكبر، كيف أضع الدخان في صدري؟! كيف أدخله إلى أعماق بدني؟! هذه ليست بشريعة حكيم مفكر. هذا عمل وحشي وتشريع خامل جاهل. كيف أنفق الدراهم في شراء هذه الأشياء التي تضر بصحتي وتجعل نفسي رهينة لها أسيرة لتناولها؟! هذا سفه وخبال. لأي شيء أعشقه وأدفع له عزيز مالي وثمرة كدي وكدحي؟! هل أعشقه وأرغب فيه لطيب ريحه أو لحسن طعمه أو لالتذاذ بمنظره أو التقوي بتناوله؟! كل هذا مفقود وعكسه موجود. الخمر طعمها مر، وريحها عفن نتن والأشياء المخدرة كذلك في سوء

(1/108)


المنظر والمخبر خبيثة الريح والطعم والضرر على العقل والروح والبدن والخسارة في المال وكذلك الدخان بسائر أنواعه، لا أربح منه إلا خراب الأسنان وكثرة السعال وخبث الريح وضعف البدن والقوى وإضاعة المال وإيذاء من يكرهه من الإخوان بإفساد الجو اللطيف عليهم. ومن يؤذ إخوانه فلا خير فيه.

هكذا منطق العقل الصريح المستقيم والذوق السليم.

كما أنهما يناديان على كل خصلة حرمها الشارع بقبحها في العاجل وسوء عواقبها ونتائجها في المستقبل من غش وخداع وتطفيف ونصب وتلصص وإغتيال وفحش وشتم وغير ذلك.
لأن الجرائم ليست فطرية تولد مع الإنسان. وإنما هي عوارض وقتية تسنح له ويرتكبها لحاجة تضغط عليه أو تأثير بيئة أو سوء توجيه.

أما الذي يولد مع الإنسان فهي فطرة الله التي فطر بني الإنسان عليها من الخيارة والعدالة والاتجاه إلى الله، ثم ما ينميه الله بها من شريعته المزكية لنفوسهم المنورة لقلوبهم فيما يبعثه من رسل وينزله من كتب.

فإذا غلبتهم نفوسهم بما ذكرنا واجتالتهم الشياطين فسدت فطرتهم وسرجت عقولهم فانحرفوا إلى الأعمال والسجايا والتقاليد التي لا ترضاها العقول السليمة الفطرية المتجهة إل فاطرها القائمة بشكره وذكره.

(1/109)


وإذا سلموا من ذلك وكان الحكم للعقل الصريح حكم بما ذكرناه آنفا، مؤيداً لما جاءت به الشريعةـ ثم إذا تشرفت العقول والأرواح بتقبل شريعة الله حصل لها الكمال المطلق الصحيح الذي تزكوا به النفوس ويحصل به الفرقان من نور هداية الله ومدده وتوفيقه فتبصر الحقائق على ما هي عليه لأنها تكون على بينة من ربها بهدايته لها إلى الصراط المستقيم وإمدادها بالعلم والحكمة فتندفع إلى الطاعات وتنزجر عن المحظورات على بصيرة وعن حب وتعظيم لله وخوف كامل ومراقبة صحيحة، فنتجوا تلك العقول من الصرع الحسي والمعنوي وتتحرر من رق الهوى والشهوات وعبودية الأشخاص والمذاهب المادية فأولئك أهل لتلك الحياة الطيبة التي لا يتعاطون فيها ما يضرهم في دينهم ودنياهم، زد على هذا، ما يربحونه من اتباع الشريعة والتأدب بآدابها والتزام فرائض الله وحفظ حدوده مما يضمن لهم السعادة في الدارين.

وقد قدمنا أن جميع ما أمر به الله من قول وفعل من سائر العبادات فيه مصلحة لبدن ابن آدم وعقله وروحه؛ فضلاً عن مزيد الثواب ورفعة الدرجات عند الله، فضلاً عما يكسبونه في الدنيا من السؤود والنصر والعزة والسلطان، ولتأت من ذلك على أمثلة فنقول:
1) منها "الصلاة"، إذا قام إليها الإنسان عن حب

(1/110)


وتعظيم لله، ورغبة فيما عنده، وتشرف واعتزاز بمقابلته جل وعلا، فوقف أمام ربه مالك الملك وقفة أخشع وأخضع من وقفته أمام حاكم من حكام الدنيا فصلاها وهو حاضر القلب متلذذٌ بالحظوة والوقوف بين يدي الله الملك العلام متشرفٌ بذلك أعظم مما يتشرف ويفرح لو حظي بمقابلة حاكم عظيم.

فهذا ينطبع بحب الله وتعظيمه في تكرر هذه الوقفات الجليلة أعظم مما ينطبع حاشية السلطان المكثرون من الاتصال به، فتندفع جوارحه إلى طاعة الله ويرهب من معصيته ويقوم بتنفيذ أحكامه وتطبيق حدوده في كتابه والانتصار لدينه وقمع المفتري عليه وبغض المنحرف عنه.

فلهذا كانت الصلاة من أعظم الأدوية للقلوب والمروحات لها وللأبدان فشأنها في تفريح القلب وتقويته وابتهاجه أكبر شأن، وفيها من اتصال القلب والروح بالله وقربه والتنعم بذكره والابتهاج بمناجاته والوقوف بين يديه واستعمال جميع بدنه وقواه وآلاته في عبوديته، وإعطاء كل عضو حقه منها واشتغاله عن التعلق بالمخلوق وملابسته ومجاورته وانجذاب قوى قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره، وحصول راحته من أعدائه الشياطين حالة الصلاة، مما تكون به من أكبر الأدوية والمفرحات وأجلّ الأغذية الملائمة للقلوب الصحيحة فقط.

وأما القلوب المريضة المعتلة فهي كالأبدان المريضة لا تناسبها الأغذية الفاضلة ولا تستطيب الحلو كما قال الشاعر:

(1/111)


ومن يك ذا فم مريض ... يجد مراً به العذب الفرات
فالصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة ودفع مفاسدهما، وهي منهاة عن الإثم، ودافعة لأدواء القلوب وطاردة للداء عن الجسد ومنورة للقلب ومبيضة للوجه ومنشطة للجوارح والنفس، وجالبة للرزق ودافعة للظلم وناصرة للمظلوم وقامعة لإخلاط الشهوات، حافظة للنعمة دافعة للنقمة ومنزلة للرحمة وكاشفة للغمة، ونافعة من كثير من أوجاع البطن، لأنها رياضة للنفس والبدن جميعاً تشتمل على حركات وأوضاع مختلفة تتحرك معها أغلب المفاصل وينغمز معها أكثر الأعضاء الباطنة كالمعدة والأمعاء وسائر آلات النفس والغذاء، زيادة على ما يجري فيها من إنشراح الصدر وقوة النفس والروح المعنوي الذي تقوى به الطبيعة، مما لا يقدر الملاحدة على إنكاره إلا حين المكابرة.

والصلاة من أعظم وسائل الراحة والصبر، وهي مجلبة للرزق حافظة للصحة الحسية والمعنوية دافعة للأذى مطردة للأدواء - أدواء الشبهات والشهوات - مقوية للقلب مفرحة للنفس الزكية، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر، مغذية للروح، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن.

وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، لا سيما إذا

(1/112)


أعطيت حقها في التكميل ظاهراً وباطناً. فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة واستجلبت مصالحهما بمثل الصلاة لأنها صلة بين العبد وربه وعلى قدر صلة العبد بربه تنفتح له الخيرات وتنقطع عنه الشرور أو تقل.

وما أبتلي رجلان بعاهة أو مصيبة أو مرض إلا كان حظ المصلي منهما أقل وعاقبته أسلم.

والمؤمنون حقيقة يجدون فيها الراحة والمتعة والسرور كما كان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: (أرحنا بالصلاة) ، ويقول: (جعلت قرة عيني في الصلاة) .
فالمؤمنون تقر أعينهم بالمثول بين يدي مولاهم في الصلاة أعظم مما تقر عيون أهل الدنيا بمقابلة حكامهم والحظوة منهم ولهذا كان علامة الإيمان المسارعة إلى الصلاة وعلامة صحة القلب وسلامته من أمراض الفتنة فرحته بالصلاة وتلذذه بطول إقامتها دون أن يخطر بباله الخروج منها وعلى العكس مريض القلب الذي إن صلاها فصلاته تشبه العادة يأتي بها من غير وعي وإحساس ويرتقب انتهاءها والخروج منها بسرعة حتى أن كثيراً من الناس يشكو الإمام الذي يطيل الصلاة ويهجر مسجده إلى غيره فمثل هذا لا ينتفع بصلاته إلا قليلاً.

أما الأول فهو الذي تؤتي صلاته ثمارها الطيبة ونتائجها

(1/113)


الحسنة التي يتأثر بها في سلوكه لقوة صلته بالله وازدياد محبته وتعظيمه ومراقبته.

فمن هنا كانت الصلاة تأمر صاحبها بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتجعل قلبه متقداً بالغيرة لدين الله والغضب لحرماته وحدوده فتندفع قواه وجوارحه لحمل رسالته وقمع المفتري عليه والقيام بإصلاح ما أفسده المبطلون في كل مكان شعوراً منه بأداء وظيفة الله في الأرض فيكون من ورثة نبي الله عليه الصلاة والسلام لا من ورثة أعدائه.

2) أما "الصبر" فهو نصف الإيمان. لأنه ماهية مركبة من صبر وشكر كما قال بعض السلف مستنداً إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .

والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وهو ثلاثة أنواع:
1) صبر على فرائض الله فلا يضيعها أبداً.
2) وصبر عن محارمه فلا يرتكبها أو ينتهكها.
3) وصبر على أقضيته وأقداره فلا يتسخطها.

وأركان الصبر ثلاثة:
1) حبس النفس على المكروه.
2) وتحمل الأذى في سبيله.

(1/114)


3) انتظار الفرج.

ومن استكمل أنواع الصبر وأركانه فقد استكمل الصبر وكانت عاقبته الحصول على لذة الدنيا والآخرة، والفوز والظفر بما هو موعود فيهما، قال ابن القيم ما معناه: ولا يصل أحد إلى مقصوده إلا على جسر الصبر، كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط.
وقد قال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ا: (خير عيش أدركناه بالصبر) .

وإذا تأملت مراتب الكمال المكتسب في العالم رأيتها كلها منوطة بالصبر وناشئة عنه، وإذا تأملت النقصان المكتسب أيضاً وجدته من عدم الصبر، وكذا فإن صحة القلوب والأبدان والأرواح ترجع إلى الصبر، وكثرة أسقام القلب والبدن تنشأ من انعدام الصبر.

ولو لم تكن في الصبر إلا أن معية الله مع أهله لكفى فإن الله مع الصابرين يؤيدهم ويقويهم ويثبتهم ويؤنسهم، ولا يدعهم في الطريق وحدهم، ولا يكلهم إلى أنفسهم ويتركهم لطاقاتهم المحدودة ما داموا متوكلين عليه حاملين لواءه، ويجلي هذا قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ، وقوله {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} . وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن النصر مع الصبر) .

(1/115)


وكرر الله ذكر الصبر والأمر به وحسن نتائجه في القرآن الكريم لأن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي يقتضيه حمل الرسالة والاستقامة على الطريق بين شتى النزعات والدوافع المختلفة، وضخامة المجهود الذي يقتضيه القيام على دعوة الله، والدفع بدينه إلى الأمام بين شتى الصراعات الفكرية والدموية، فلا بد من الصبر والمصابرة في هذا كله.

وصبر المؤمن على طاعات الله ثم صبره في كف نفسه عن معاصيه يقويه في الصبر على جهاد أعداء الله، وعلى كيدهم والكيد لهم، ثم المرابطة على بطء النصر والمرابطة لارتجائه.
ولئلا يضعف الصبر بطول المدة وكثرة المشقة أرشد الله عباده إلى الزاد والمدد الروحي فقرن الصلاة إلى الصبر وقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} ، فهي المدد الروحي الذي لا ينقطع، والزاد المعنوي الذي لا ينضب ولا ينفد، ويزداد القلب قوة يستسهل بها الصعاب، ويقرب عليه بها البعيد فتجدد طاقاتهم، ويمتد حبل صبرهم، وتكسبهم هذه الصلاة كمال الرضى والثقة واليقين، كما في يوم (الخندق) و (حنين) وغيرهما، ولهذا كان يكثر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما حز به أمر، وكان مطلوباً من كل مسلم أن يأمر أهله بالصلاة كما قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} ، وقال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع

(1/116)


سنين، واضربوهم على تركها لعشر ... ) ، وكان قيام الليل وتلاوة القرآن فيه مفتاحاً للقلوب، وطاقة للجوارح، كما قال تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} .

هذا وقد أظهر الطب الحديث فائدة عظيمة للصلاة، وهي أن الدماغ ينتفع إنتفاعاً كبيراً بالصلاة ذات الخشوع، كما قرر ذلك فطاحل الأطباء في هذا العصر، وهذا من بعض الأسباب التي يرجع إليها قوة تفكير أساطين الصحابة الكرام، وسلامة عقولهم، ونفوذ بصيرتهم، وقوة جنانهم، وصلابة عودهم، فكانوا بذلك معجزة بين الأمم فلم يخلفهم مثلهم إلا قليل نادر.
ولا شك أن الذين يتجهون بكل حب وتعظيم إلى القوة المطلقة إلى ذي الحول والطول جل وعلا، ويخرون للأذقان سجداً لعزته وسلطانه وشكراً لنعمته وإحسانه، ولا شك أنهم يكونون موصولي السبب بجنابه العظيم فيستمدون منه جميع قواهم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه تعالى (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) وقال أيضاً: (فبي يسمع، وبي يبصر، بي يبطش ... الخ) وأحاديث كثيرة في هذا المعنى. فالصلاة من أكبر العوامل التي تربي

(1/117)


الشخصية وتجعلها ربانية التصور، وربانية الشعور والوعي، وربانية السلوك والتصرف.

ثم إن في الصلاة منفعة عظيمة، وعلاجاً واقياً وشافياً من شر ما يصاب به الإنسان في حياته الاجتماعية وهو الشح والجبن الذي نبه الله عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} . وقال صلى الله عليه وسلم: (شر ما أوتي العبد شح هالع أو جبن خالع) .

فالشح يبذر الهلع والفقر في القلب، ويجعل صاحبه فقير القلب مهما استغنى كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم: (بأنه كالذي يشرب ماء البحر) ، فإنه لا يروى بل يزداد عطشه وغلبته.

وأما الجبن فإنه يروث الخوف والذعر الذي يتزايد بصاحبه، حتى يكون عند المصائب والحروب كالذي يغشى عليه من الموت، وفي الأمن والرخاء حديد البصر ذلق اللسان، مثل المنافقين المعوقين الذين فضحهم الله في سورة الأحزاب.
وقد يكون الجبان كسولاً. عادم الإرادة ولهذا ورد في الحديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة أن يدعو بهذه الدعوات: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل وضلع الدين وقهر الرجال) ، فإنها ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان مزدوجان، فالهم والحزن أخوان، والعجز والكسل أخوان، والجبن والبخل أخوان،

(1/118)


وضلع الدين وقهر الرجال أخوان.

والمصلي الصحيح الذي يقيم الصلاة حق إقامتها ينجيه الله ويعيده من هذه الأمور لكثرة ما يسبّحه ويستغفره، ويوحده ويحمده، ويعترف بذنبه وبعبوديته لربه، وقد قال الله تعالى عن نبيه يونس عليه السلام: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وقال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} .

وللصلاة وشروطها فوائد ومزايا، وحكم بالغة غير ما ذكرته لا أحب الإطالة بذكرها هنا لأني أفردت لها رسالة مستقلة ولله الحمد والمنة.

(1/119)


جواب سؤال: الأَخذ بالأسباب وعلاقة ذلك بالإيمان بالغيب
مما لا شك فيه أن الغيبيات نوع من المخرج السهل من الضيق والأزمات، بدلاً من تعميق التفكير في الأسباب والمسببات، وهو الطريق الصحيح للخروج من الضيق والأزمات.

ولقد مرت الأمة الإسلامية في فترات صعبة كثيرة، وكانت تخرج من الضيق والأزمات بالتفكير المستنير لاجتياز تلك الأزمات، بمعرفة الأسباب والمسببات، وبالتالي التفكير في الأسباب والمسببات.

ولكنها في العصر الهابط وما بعده اختلط عليها التفكير من جراء الغشاوات التي غشت العقول وحرفت الأفكار، فغشا فيها نوع من الغيبيات أقعدها عن التفكير المستنير، فلجأت للغيبيات وسلكت طريق المخرج السهل، فأدى ذلك إلى عدم وجود القدرة لديها لاجتياز الفترات الصعبة، فازدادت الصعوبات وطالت مدة الفترات الصعبة، فوقعت في المحذور إلى أن انهارت.
واختيار المرء للمخرج السهل طبيعي في الإنسان من حيث هو إنسان، ولذلك فإن سلوك المخرج السهل، أيا

(1/121)


كان، سواء أكان الغيبيات أو غيرها، إلا أن الغيبيات أشد خطراً على بني الإنسان من أي شيء آخر.

ولذلك فإن اللجوء إليها يصيب المقتل ويكون مدمراً للإنسان.

والثغرة التي يدخل منها اللجوء إلى الغيبيات لدى المسلمين؛ هي الإيمان بالقضاء والقدر، واليقين بأن الله هو الذي يخلق كل شيء ويفعل كل شيء. فكان المخرج السهل أن يتكل المرء على المقدر ذلك إن الأمر مقدر، وأن الله هو الفعال، فلتكن مشيئة الله، وليكن ما أراده الله.

هكذا بكل بساطة يجري القعود عن التفكير بالأسباب والمسببات ويستسلم للأقدار.

والحقيقة هي أن الله كما قال: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} ، قد قال: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} ، وكما قال: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} ، وقد قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} ، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} .
والحقيقة كذلك هي: إن الله أراد بنا أشياء وأراد منا أشياء، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أمرنا بالقيام به، فنحن لم نطلع على قدر الله لأنه مطوي عنا، فلا نعلمه ولا يمكن أن نعلمه، وأما ما أراده

(1/122)


منا فقد أمرنا بالقيام به، أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا وأراد منا قتال الكفار وقتال البغاة وإن كان يعلم أننا سنهزم أمامهم. وأراد منا أن نكون دولة واحدة ولو في الأرض كلها وإن كان يعلم أن المسلمين سيكونون دولاً متعددة، وإن البقعة الصغيرة ستكون عدة دول. وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا، وإن كان يعلم أن بأسننا بيننا سيكون شديداً.

قال عليه الصلاة والسلام: (سألت الله ثلاثا: فأجابني باثنتين، ولم يجبني في الثالثة: سألته أن لا يهلك أمتي بالطاعون فأجابني، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنين - القحط - فأجابني، وسألته أن لا يجعل بأس أمتي بينها شديداً فلم يجبني) .

فالله حين يأمرنا بشيء لا يعني إنه لم يقدر علينا ضده، وحين ينهانا عن شيء لا يعني إنه لم يكتب علينا خلافه، فنحن لسنا مأمورين بما قدره لنا أو كتبه علينا، وإنما مأمورون بتنفيذ ما يأمرنا به، بغض النظر عما هو مقدر لنا ومكتوب علينا.

والغيبيات هي الاستسلام لما نزعم أنه مقدر علينا ومكتوب لنا، وعدم القيام بما أمرنا به من الله. ذلك أن الاستسلام أسهل من تنفيذ الأوامر، والمرء بطبيعته يختار الأسهل الأهون على الأشد الأصعب.

لهذا يختار الاستسلام على الاضطلاع بالأشق الأصعب،

(1/123)


ويتخذ الإيمان بالقدر تكئة لهذا الاختيار.

إن الله أمرنا بالإيمان بالقدر خيره وشره، ولكنه لم يعلمنا بما قدره لنا وكتبه علينا. بل أمرنا بأوامر ظاهرة ونهانا عن نواه معينة، أعلمنا بها، وبينها لنا، فخلط الإيمان بما أمرنا أن نؤمن به، بالأوامر التي أمرنا بتنفيذها، هو الذي يلبس علينا وجه العمل وكيفية السير.
لذلك كان هذا الخلط هو الذي تتسرب إلينا منه الغيبيات، وهو الذي يسهل اتخاذ هذه الغيبيات تكئة لاختيار الأسهل الأهون على الأشق الأصعب. لذلك كان هذا الخلط هو الذي يأتي منه خطر الاستسلام، وخطر القعود عن الأعمال.

صحيح أن الله هو الفعال لما يريد، الخالق لكل شيء، ولكن الله جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها وجعل للأشياء قوانين تتشكل بحسبها وتتحول أو تبقى وفق هذه القوانين.

وهو وإن كان قادراً على خرق هذه النواميس، وتلك القوانين، ولكنه لا يخرقها إلا لنبي، ولا ينقضها إلا لرسول.

فالإيمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين، لا يعني إنه سينصر المؤمنين وهم لا يأخذون بأسباب النصر، لأن النصر بدون الأخذ بأسبابه مستحيل، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل، فكون الله قادر على الشيء لا يعني أن الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه.

فقدرة الله هي صفة خاصة به، وقدرة العبد خاصة به، ولا علاقة لها

(1/124)


بقدرة الله.

فالخلط بين قدرة الله والإيمان بها، وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله هو الذي يعمل على القعود، وهو الذي يحذر الأمم والشعوب.

إن الله تعالى يقول: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} أي يقر بأنه ناصر من ينصره، وهذا نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، فالإيمان به فرض، وإنكاره كفر، ما في ذلك شك، ولكن خلط هذا الإيمان بالعمل يقعد من ينصر الله عن العمل لأنه سينصره حتماً.

فمن ينصر الله قد أمره الله بالعمل، ومع أنه أعلمه بأنه سينصره ولكنه في نفس الوقت أمره بالعمل، فاعتماده على وعد الله، وعدم قيامه بالعمل، هو عصيان الله وليس نصراً له.
فقعوده عن العمل ينفي عنه إنه ينصر الله، ولذلك فإن عدم النصر لمن يدعي أنه ينصر الله ولا يعمل، لا يعني أن الله قد أخلف وعده، بل يعني أن الرجل بعدم قيامه بما أمر الله من اتخاذ أسباب بالنصر، فقد عصى الله فخرج عن كونه ينصر الله، لأن نصر الله هو القيام بأوامره واجتناب نواهيه، ولذلك فإن الله لن ينصره، ما دام لم ينصر الله بالقيام بما أمره به من الأعمال.

فالخلط بين الإيمان بما أمر بالإيمان به، وبين القيام بما أمره الله به من الأعمال، يؤدي إلى الحرمان مما وعده الله به من جراء القعود وعدم العمل.

وإقامة دولة أي دولة، في جماعة أي جماعة، لها قوانين ونواميس، وهي أن تتقبل تلك الجماعة أو الفئة الأقوى فيها

(1/125)


للمفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقوم عليها تلك الدولة، وما لم تتقبل تلك المفاهيم والمقاييس والقناعات لا يمكن أن تقوم فيها الدولة. ولو تسلط عليها متسلطون، وتولى السلطة فيها أقوياء.

فالأصل في إقامة الدولة هو تقبل الجماعة أو الفئة الأقوى لتلك المفاهيم والمقاييس والقناعات فالخطوة الأولى هي المفاهيم - والمقاييس والقناعات - هذه هي نواميس الجماعات، وهذه هي قوانين الحكم والسلطان.

فهذه القوانين مشاهدة منظورة، فمحاولة تجاهلها، وأخذ السلطة بالقوة والقهر، لا يمكن أن يوجد الدولة، وإن كان يمكن أن يوجد المتسلطين إلى حين.

وإزالة الدولة المستعمرة عن البلاد التي تستعمرها، لها قوانين ونواميس، وهي أن تكون لدى من يعملون لإزالتها، القوة المادية التي تتغلب على قواها المادية، والقوة الفكرية التي تمكنها من إدراك الأحابيل وإدراك معنى القوة المادية.

فما لم توجد القوة الفكرية والقوة المادية لا يمكن إزالة الدولة المستعمرة، وانتفاضات الأمم مهما عظمت لا يمكن أن تزيل الاستعمار ولو كان عدواً لله، لذلك لا بد من معرفة قوانين ونواميس الله في التسلط والاستعمار.
وهكذا كل شيء في الوجود. فالله تعالى، قد خلق الوجود، وخلق له قوانين، وخلق الناس وخلق لعيشهم قوانين. وأمرهم بأوامر ونهاهم عن نواه، فيجب أن لا

(1/126)


يخلطوا إيمانهم به، بما أمرهم ونهاهم أي أن لا يخلطوا ما أمرهم بالإيمان به من الأمور، بما أمرهم بالقيام به من الأعمال، فهذا الخلط هو الذي يسبب الغيبة ويتخذ تكئة للجوء إليها.

فهو لم يأمرهم بالعمل على أنه قادر على خرق القوانين والنواميس، وهو أمرهم بالإيمان بوجود الجنة والنار، ووعدهم بالرحمة والغفران، ولكنه لم يأمرهم بالعمل بالجنة والنار ولا بالعمل بما وعدهم. بل أمرهم بالعمل بما يدخل الجنة ويقي من النار. وأمرهم بعدم الاعتماد على رحمته فهو رحيم، ولكنه كذلك منتقم، يعاقب العاصي ويثيب الطائع.

فيجب أن لا يخلطوا بين ما أمرهم بالإيمان به، وما أمرهم بالعمل فيه. لذلك يجب أن يفرقوا بين ما أمرهم بالإيمان به، وما أمرهم بالعمل فيه.

فالغيبيات كلها تأتي من الخلط بين ما يجب التصديق به تصديقاً جازماً، وبين ما يجب القيام به من الأعمال فإذا لم يوجد هذا الخلط لم توجد الغيبيات، لذلك يجب التفريق بين ما يجب الإيمان به وما يجب العمل به وما لم يحصل هذا التفريق ويتقي الخلط فإنه ستظل الغيبيات تتسرب إلى النفوس وستظل الناس تتخذ الغيبيات تكئة للخروج إلى الأسهل الأهون في الضيق والأزمات، ولا سيما في الفترات الصعبة من الحياة.
5 من صفر، سنة 1394 هـ
27 / 2 / 1974 م

(1/127)


س) كيف بمن يقول: (الدين مصدر الطائفية والشقاق ... الخ) ؟
ج) هذه فكرة ركزها الاستعمار في تعليمه الثقافي، الذي هو امتداد للحروب الصليبية وتلقاها بالقبول والتشجيع أصحاب المبادئ القومية والمبادئ المادية والنحل الوثنية المطلية بشعارات يستحسنها الذين نسوا حظاً مما ذكروا به.

والدين الإسلامي الصحيح على العكس مما رموه به، فهو مصدر الوحدة الصحيحة وتحقيقه سبب العز والتمكين، والتضامن والتراحم.
وأي طائفية في دين يقول لأهله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .

وإنما تتكون الطائفية من الإفتراء على الله سواء كان بحجة دين كاذب، أو مذهب مادي أو وثني يصبغ بطلاء الجنس والوطن.

ولو أخلصوا لله واتبعوا محمداً الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لما حصلت طائفية كالصدر الأول من الإسلام في الوقت الذي لم تأخذ المادة في قلوبهم محلاً.

فلما احتلت المادة والأنانية مكانها في القلوب لعبت السياسة دورها في بث التفرقة والشقاق باسم مذهب وأسرة، وباسم ملة ونحلة وفلسفة، هذا مع التظلم من الأوضاع والتنديد

(1/128)


بالمسئولين، واختلاف الأكاذيب، وتزوير الوثائق والمكاتيب لإضرام نار الفتنة والتخريب حتى جاء دور الحروب الصليبية الغاشمة البشعة وما أعقبها من تعصبات مذهبية ظاهراً، وتعسف سياسي ومكر ومؤامرات لئيمة تصبغ بأسماء مذهبية، على الرغم من حسن معاملة المسلمين مع الغزاة المغلوبين، والخونة المجاورين من أولئك.

وكل هذا امتاد لما قيل من الدسائس السياسية ضد السلام ليشغلوا أهله في أرضهم بذلك، فيبقى كالمريض في بيته.

فما يرى من مظاهر الطائفية المذهبية هو في الحقيقة مبادئ وأحزاب سياسية مطلية بطلاء المذهبية المختلفة، فالجريرة إذن هي على السياسة الماكرة الكافرة لا على الدين الصحيح الذي هو أساس الوحدة بجميع معانيها.
ثم الصليبيين لما عجزوا عن محاربة الإسلام بالسيف غزوه غزواً ثقافياً بذلوا به الأموال الطائلة للمبشرين، ولما أخفقوا بعد مجهودهم الكبير وأيقنوا استحالة تنصير المسلمين أبرموا الأمر لإخراج أبنائه منه فقط دون أن يتشرفوا في الدخول إلى المسيحية - بزعمهم - بل يعيدوهم إلى حروب وثنية، ومن تقديس الجنس والوطن واستبدال حدود الله بحدوده، وحماية كيان القوم بدل حماية دين الله، واستبدال محبة الله ورسوله بمحبة هذه الطقوس والشعارات،

(1/129)


ودعوى العمل للوحدة التي تجمع الفرق تحت اسم "القومية" بدلاً من "الدين".

و (لـ) تبرير خطتهم الأثيمة وتغطية باطلهم على الناس السطحيين، رموا الدين بدائهم هم رموه بالطائفية وهم بها أقوم وألصق.

وتحمس لهذه الفكرة لفيف من النصارى ليخدعوا بها المسلمين على حساب الدين الإسلامي الصحيح الذي بشر عيسى به - فكذبوه - واعترف بكرامة عيسى وأظهر براءة أمه، فجرت فتنتهم هذه على حساب هذا الدين لا على حساب دينهم المزعوم الذي يبرأ منه عيسى وكل نبي.

وقد حمى الله الوحدة والعزة والتمكين بتحقيق دين محمد صلى الله عليه وسلم وكتب الشقاق على من تنكبه وتولى عنه، قال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ... } ، فحصر الله حالتهم من الشقاق.

كما هو واقع بينهم الآن على الرغم من زعم الوحدة الكاذبة.

(1/130)


س) سائل يقول: أنا مسلم مؤمن أصلي وأصوم ولكني أؤمن بالاشتراكية وأعتقد أنها حق، فهل يقدح ذلك في ديني؟
ج) الحمد لله رب العالمين.

أولاً: إن الإيمان ليس مقصوراً على الصلاة والصوم ونحوهما، بل لا بد في الإيمان

(1/159)


من تحكيم شرع الله والرجوع إلى حكمه في جميع شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
قال سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... } ، وقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ... } .

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) ، والنصوص في هذا كثيرة من الكتاب والسنة.

وعلى السائل أن ينظر في منشئ ما يسمى بالاشتراكية وفلسفتها وطقوسها ليعرف المرجع فيها، هل هو إلى الله ورسوله أو إلى طواغيت اليهود الماكرين من (كارل ماركس) و (لينين) وإلى أتباعهم من كل ملحد منكر لله ورسله مستهزئ بالأديان سوى دين اليهود ومن كل سياسي عابد للمادة والقيادة قد صيرته أغراضه إلى ذلك؟

فللإسلام أحكامه المغنية لأهله عن كل مذهب ومبدأ مرجعها كتاب الله وسنة رسوله، ولا تلتقي مع غيرها في جوهرها وحقيقتها، إلا بالتأويل الفاسد، الذي هو من فروع تحريف اليهود وأشباههم للكلم عن مواضعه.

(1/160)


وقد حصر الله منبع المسلمين المؤمنين على القرآن والسنة وقصر أخذهم عليهما وحرم عليهم طاعة الكفار والاقتباس منهم والتشبه بهم بجميع أنواعهم.

ثانياً: لا بد للمسلم المؤمن بالله وما جاء عنه، من الكفر بالطاغوت بجميع أنواعه والطاغوت في اللغة مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، تقول العرب: (طغى السيل) أي جاوز ماؤه حافتي الوادي، و (طغى الماء) إذا جاوز مده قامة الإنسان بحيث يغرقه، ومن ذلك قوله تعالى {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} .
فالله سبحانه وتعالى حد لبني الإنسان حدوداً في كل شيء من أمور الحياة فمن جاوز حدود الله وتعداها فقد طغى، قال الله تعالى {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} .

وكلمة الشهادة "لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" مكونة من النفي والإثبات، فالنفي يقتضي الكفر بالطاغوت المتجاوز لحدود الله والذي آلهه بعض الناس من دون الله بطاعة أمره وإباحة ما يبيحه من الحرام وتحريم ما يحرمه من الحلال.

ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدي بن حاتم قوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، قال عدي: إننا لم نتخذهم أرباباً!!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له (أليس يحلون لكم ما حرم الله فتستحلوه ويحرمون عليكم ما أحله الله فتحرموه؟) ، قال: بلى، قال: (فتلك عبادتهم) ، فجعل طاعتهم من دون الله عبادة لهم وجعلها

(1/161)


معنىً اتخاذهم أرباباً من دون الله.

وطواغيت هذا الزمان من أنواع الاشتراكيين والقوميين الماديين يبيحون لشعوبهم ما حرمه الله من الخمور والزنى والقمار والربا وسائر الملاهي والفواحش، فتستحلها شعوبهم ولا يستهجنها إلا القليل، وأكثرهم يحبذها ويفرح بها.
ومن ناحية أخرى يحرمون عليهم الحلال من التكسب والتملك، ويسدون عليهم أبواب الابتغاء من رزق الله ويصادرون الممتلكات الحرة تأميماً، بحجة الاستغلال تحريماً منهم للحلال، فيحرمه الكثير من غوغاوية شعوبهم بجميع أنواع الطاغوتية والتسلط، فالذي يحبذ فعلهم ويؤمن بما يسمونه إشتراكية يكون مؤمناً بأنواع الطاغوت، غير كافر به، كما أمر الله، قال الله سبحانه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} ، ومن لم يكفر بالطاغوت لم يحقق التوحيد، بل كان مناقضا لمدلول "لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} .

فإذا اعتقد أن ما يسمونه إشتراكية هو من دين الله أو مطابق لوحيه فقد زاد بذلك افتراءً على الله وكانت جريمته أشد من جريمة المشرك، وحينئذٍ نقول له على سبيل التنزل

(1/162)


وتوضيح خطئه: إذا كنت تعتقد أن اشتراكيتهم المزعومة من دين الله أو على طريقة وحيه، فهل دين الله ووحيه يبيح الخمور التي أباحوها وأكثروا من مصانعها وحموا باعتها وشاربيها بل جعلوها مخففة لعقوبات الجرائم أو مسقطة لها؟
وهل من الدين إباحتهم للزنى بحال الرضى وتشريع القوانين المعفية لمرتكبه من إقامة حدود الله؟ هل هذا من الدين؟ أو هذا يعتبر في العرف الشرعي والعربي الأصيل ديانة؟ فهذا الذي يزعم أنه مسلم مؤمن سينكر ذلك ويعلن أمامنا تحريمه والله يعلم بما يبطن وحينئذِ نقول له: يجب عليك أن تبغض من هذه صفته وتعاديه وتشك في جميع ما يزعمه من الإصلاحات الأخرى على الأقل إن لم تكفر بها، فكيف تعلن إيمانك بما يسمونه إشتراكية وتعتقد أحقيتها، والمشرع لها ليس أميناً في دينه على الأقل، بل هو من القسم الذي ذكرناه؟

وبهذا يتضح ثالثها: وهو أن هذا السائل حكم إيمانه بما يسمى الإشتراكية لم يدفعه إلى الإيمان بها إلا محبته لمن انتحلها وتبناها، وأجزم جزم اليقين أن هذه الإشتراكية المزعومة لو تبناها (قاسم العراف) لكان هذا السائل من أول الكافرين بها والمبغضين لها، فأصبح قبول أمثال هذا نابعٌ من محبته للأشخاص الذين انصرف قلبه إليهم من دون الله حتى صاروا كالأنداد، قال الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ

(1/163)


يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ... وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} .

ولا شك أن الحب يعمي ويصم وأن للدعاية وسحر البيان تأثيرهما القوي وأنه لولا شعبية المحبوب الذي تبنَّى ما يسمى بالإشتراكية وقوة دعايته وتأثير أهل قطره أيضاً لما راجت هذا الرواج فإن مصر لا ينكر تأثيرها على العالمين العربي والإسلامي ولذلك صارت أكبر هدف للغزو الفكري والعسكري قبل هذا القرن.
وبالجملة فعلى السائل المحترم - طهر الله قلبه - أن ينظر في مراجعها لدى التطبيق ولا يغتر بتسميتها عربية، بل ينظر هل لهم مراجع في تطبيقها غير ما كتبه طغاتها اليهود (ماركس) و (لينين) واتباعهما ممن اجتهدوا في تفسير أقوالهما؟ أم لها مرجع وحيد يستقى من كتاب الله وسنة رسوله حتى يتقبلها المسلم؟ فإن كان الأمر على الأول فلا يجوز للمسلم بتاتاً قبولها بل يجب عليه رفضها من الأساس.

ولا يشك عاقل أن مراجعهم كلها من تلك الطواغيت وحينئذٍ يكون رفضها من مستلزمات الشهادتين اللتين لا يصح إيمان المسلم بدون السير والعمل على مدلولهما ولله در الخليفة الثاني عمر الفاروق حيث قال: (إنما ينتفض الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية) .
والله أعلم
وصلى الله وسلم على محمد

(1/164)


س) جواب عن وجوب الجهاد، هل هو الآن في الفور أم لا؟
ج) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين.

أما بعد:

فإن الجهاد هو ذروة السنام من الدين ووجوبه مُحتَّم على القادرين، والناكص عنه مع القدرة على خطر من دينه.

وقصة الثلاثة الذي خُلّفوا مشهورة وخطيرة وجديرة بالاعتبار.

وأنا ممن يقول أن وجوبه للهجوم، لا للدفاع، كما يقوله المهزومون، هزيمة عقلية، ممن انطبعوا بدعايات المستشرقين، من أن الإسلام قام بالقهر والسيف، ونسوا أن يردوا عليهم من واقعهم ويُوضّحوا هدف الإسلام من الجهاد، كما سلكه العلاّمة المودودي وغيره، لا أن يضربوا بكتاب الله بعضه ببعض ويجعلوا الآيات المكية وما نزل أول الهجرة قاض على الآيات المدنية الأخيرة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ما معناه: أنه لا يوجد بين آيات الجهاد والصفح تعارض يوجب القول بالنسخ، وليس فيها شيء منسوخ قطعاً ولكن يُصار إلى الآيات المكية في حالة ضعف المسلمين وإلى الآيات المدنية في حالة قوة المسلمين حسب التفصيل بالتدرّج الذي لا يتحطم به كيانهم،

(1/165)


وقد قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت بالكتاب الهدي والسيف القاهر) ، أو كما قال، فإني نقلت كلام الشيخ بالمعنى لأني لم أستحضر المرجع حين هذه الكتابة.

وليس الهدف من تحتيم الجهاد إكراه الناس على الإسلام كما زعمه الملاحدة، وانصبغ به المهزومون.

وإنما الهدف من تحتيمه أن تكون كلمة الله هي العليا وذلك بإقامة حكم الإسلام وتحكيم شريعة الله وقمع المفتري عليه، حتى لا تكون فتنة بل يكون حكم الله ظاهراً قاهراً يمنعها، كما قال سبحانه وتعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} .

فلم يقل سبحانه لعباده الكتلة الشرقية أو الغربية مولاكم، لأنه لا يرضى منهم أن يستنصروا بالكفر، بل قال {أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ} ، وقد قال في الآية (56) من سورة المائدة {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} .

أما إعتناق العقيدة؛ فهذا موكول إلى الضمير ولا إكراه في الدين، حتى لا ينتشر النفاق الذي هو أخطر من الكفر الصريح.

هذا وإن شبهات القائلين بأن الجهاد للدفاع هو كون

(1/166)


وجوبه على أربع مراحل فاضطربت أفكارهم مع ما فيهم من الهزيمة العقلية، والله من وراء القصد.

وهذه المراحل ذكرها الإمام ابن القيم وغيره:
فأولها: الإذن، الذي هو بمعنى الرخصة، وذلك في قوله في سورة الحج {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} .

ثم جاء الثاني على سبيل الوجوب؛ وهو قتال من يقاتل المسلمين، بقوله سبحانه {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} فأمر الله المسلمين بقتال من يقاتلهم، ولعلماء التفسير تفسيران لهذه الآية.

أحدهما: قتال المحارب الذي يبدأ بالقتال.

وثانيهما: قتال كل قادر تهيأ للقتال من جميع الكفار بخلاف الصبيان والشيوخ والعجزة والنساء اللاتي لم يقاتلن، وفسروا قوله {وَلا تَعْتَدُوا} بقتل من لا يقدر على قتالكم.

ثم جاءت المرحلة الثالثة بوجوب قتال الكفار جميعاً إلا من كان مرتبطاً مع المسلمين بعهد وميثاق.

ثم جاء الدور الرابع بالبراءة من عهود الكفار، كما افتتح الله سورة التوبة بذلك، وأمرهم بإمهالهم أربعة أشهر ينظرون فيها أمرهم، فإما أن يسلموا أو يخضعوا لحكم الإسلام ويدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وإما أن يُقاتلوا بعد انسلاخ الأشهر الحرم الجديدة التي

(1/167)


فيها إمهالهم، وليس المقصود بها الأشهر الأولى المعروفة بالشهور الحرام.

فهذه مراحل إيجاب القتال، ولكن للمسلمين أن يفهموا أن الجهاد أربعة أنواع:

1) جهاد الشيطان.
2) جهاد النفس.
3) جهاد الكفار.
4) جهاد المنافقين.

فأما جهاد الشيطان: فبتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه فإنه يَعِدُ الأماني ويمني الغرور ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن الهدى والتقى والعفة وكل خلق جميل قال تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} .

والأمر باتخاذه عدواً تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته لأنه العدو الذي لا تفتر عداوته على عدد أنفاس المسلم.
وأما جهاد النفس: فهو مقدم على جهاد العدو الخارجي وأصل له، فإن من لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرها الله به وتترك ما نهى عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه الخارجي.

وكيف يتمكن من جهاد عدوه الخارجي وهو مهزوم من الداخل من عدوه الذي بين جنبيه المتسلط عليه؟

(1/168)


والذي لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج، ولهذا قال سبحانه وتعالى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} ، فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه فيسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه.

ومن يحقق الجهاد النفسي جهاد النفس والشيطان تحصل له قوة وسلطان وعُدّة معنوية يجاهد بها أعداء الله وأعداءه في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله لتكون كلمة الله هي العليا وحينئذٍ يكون في معية الله فيظفر بالنصر، فإن الله مع المتقين ومع المحسنين ومع الصابرين ومع المؤمنين يدفع عنهم ما لا يدفعون عن أنفسهم بل بدفاعه عنهم ينتصرون على عدوهم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} ولولا دفاعه عنهم تخطفهم عدوهم واجتاحهم.

وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم وصدقهم معه سبحانه وتعالى، فعلى قدر الإيمان تكون المدافعة، فإن قوي الإيمان قويت المدافعة والعكس بالعكس.

وليعلم أهل الجهاد أنه لا بد لهم من عدة أمور:

أحدهما: جهاد النفس وهو على أربع مراتب:

1) أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق حاصراً مهمته في ذلك على المنهل النبوي.

(1/169)


2) أن يجاهدها على العمل بما علمه من وحي الله المبارك لأن مجرد العلم بلا عمل خطيئة كبرى. ومن عمل بما علم أورثه الله على ما لم يعلم كما في الأثر.

3) أن يجاهد نفسه على الدعوة إلى الله وتعليم وحيه من لا يعلمه لأن من لم يقم بهذا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى.
فالدعوة إلى الله من أعظم ضروب الجهاد ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله حتى يكون داعياً به إلى الله.

4) أن يجاهد نفسه على الصبر على مشاق الدعوة وتحمل أذى الناس في سبيل الله، فإن الدعوة إلى الحق والصبر عليه من ضروريات الدين ومن استكمل هذه المراتب كان من الربانيين، قال ابن القيم رحمه الله: (السلف مجمعون على أن العالم لا يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلَّم فذاك يُدَّعى عظيماً في ملكوت السماء) .

ثانيهما: تكوين قيادة إسلامية على أعلى المستويات في القوة والصلابة والحزم والتوكل على الله واستصغار كل قوة دون الله متطبعة بقوله تعالى {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} وألا تضيع جهودها وطاقاتها تحت القيادات العلمانية كما ضاعت في حروب فلسطين حين رفضت فيها تلك القيادات نصر

(1/170)


الله واستجابت لزعماء الكفر في إيقاف القتال.

وقد وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ومن قاتل تحت راية عميّة ... فليس مني ولست منه) ، وقال: (إنه من جنى جهنم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم) ، فتكوين القيادة المسلمة المستقلة من ضروريات الجهاد والدين.

ثالثهما: تحري مَهجَر يُهاجر إليه من حقق الجهاد النفسي ليكون منطلقاً ينطلقون منه بعد كمال تربيتهم على ما يحبه الله ويوجبه.

أما بقاؤهم في وسط المجتمعات الجاهلية والقيادات العلمانية فإنهم يُمدونها بعناصر القوة والبقاء فتكون حياتهم لصالح أعدائهم لا لصالح دينهم وعقيدتهم ويكونون لتلقي الضربات والتعذيب والإساءة إلى تاريخهم بكل تهمة ملعونة تجعل أقرب قريب يتبرأ منهم.
ومن واجبهم البحث عن مهجر في غير البلاد العربية ولو أن الأخوان المسلمين على قوتهم وكثرتهم وتسلحهم عام (47 م) كونوا قيادة إسلامية مستقلة لنجحوا في إقصاء اليهود وتطهير فلسطين وجعلها منطلقاً منها يحتلون أكثر البلاد العربية خصوصاً مصر ولكن غلب عليهم الجهل والنخوة العصبية فقاتلوا تحت قياداة ضليعة مع الكافر لا تريد تحرير فلسطين.

والبحث يطول ولكنّي أكتفي بهذا.

والله الهادي.
الشطر الثاني من السؤال:

(1/171)


س) هل الواجب قتال الصهيونية فقط دون اليهود؟ وهل يجوز لعن اليهود ولعن كل كافر؟
ج) إن قتال الكفار على العموم واجب بالنصوص القطعية من وحي الله كتاباً وسنة.

وهذا القتال الواجب للهجوم لا للدفاع، كما تصوره بعض المنهزمين هزيمة عقلية باسم الدفاع عن تشويه سمعة الإسلام، والذين اشتبهت عليهم معاني النصوص التي يفيد بعضها الخصوص، فأعمتهم هزيمتهم العقلية أو الهوى عن النظر في العمومات الصارفة الناسخة لما قبلها، لكونها عامة ومتأخرة.

قال الله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، وقال {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} ، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) .
وغير ذلك من النصوص الواضحة التي لا نطيل بها المقام ولكن المهزومين وأصحاب الهوى يضربون صفحاً عن هذه

(1/172)


النصوص القاطعة العامة الناسخة لما قبلها لتأخرها في النزول ويتمسكون فقط بقوله تعالى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} كما يأخذون التعليل بآية الأذن في الجهاد غافلين أو متغافلين أن مشروعية القتال جاءت في القرآن على مراحل.

الأولى: الأذن المفيد للإباحة مقروناً بأسبابه كما في الآيتين (39) و (40) من سورة الحج.

الثانية: تقييده بحالة الاعتداء كما في الآيتين (190) و (191) من سورة البقرة.

الثالثة: تعميم وجوبه على الفور ابتداء كما في سورة (براءة) التي ورد فيها الإعلان من الله ورسوله بالبراءة من كل مشرك وكافر ونقض عهودهم الغير مؤجلة وإمهالهم أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر ثم بعدها يقاتلون ويطاردون ويحاصرون، ويلزم كل مرصد حتى يتوبوا من الشرك ويقيموا الصلاة التي هي عمود الإسلام ويؤتوا الزكاة التي هي حقه المالي وذلك في الآية الخامسة السالفة الذكر التي قيد الله فيها تخلية سبيلهم بذلك. والحديث الصحيح تضمنه أيضاً.

وليس وجوب الجهاد والقتال لمجرد الإكراه على الدين كما صوره أعداء الإسلام، وجعل المنهزمون يتهربون من

(1/173)


ذكره ويقيدونه بالدفاع، ولكن وجوب الجهاد لعدة أمور، أهمها:

1) مقاومة الشرك والمشركين، لأن الله لا يقبل الشرك أبداً.

2) إزالة العقبات التي تعترض سبيل الدعوة إلى الله.

3) حماية العقيدة من كل الأخطار التي تتهددها.

4) الدفاع عن المسلمين وعن أوطانهم.

س) ما الماسونية؟
ج) الحمد لله رب العالمين.
الماسونية جمعية سرية يهودية يسمونها بالقوة الخفية أسسوها بادئ الأمر ضد النصارى لتعمل على تحريف إنجيلهم أو أناجيلهم وإفساد عقائدهم وأفكارهم وتشتت أمرهم بأنواع الخلاف والشقاق وقد سلكوا شتى الأساليب الدقيقة لتحقيق ذلك. فلما جاء الإسلام وسعوا دائرتها ليحيطوه بأشراكها.

واليهودية العالمية تمد الجمعيات الماسونية برجال الفكر والدهاء والمكر ويلبسون لكل عصر لبوسه الملائم بل يلبسون لكل أمة وشعب وبلد لبوسها الملائم، بل يدخلون إلى كل رجل من مداخله وأذواقه الخاصة حتى يستطيعوا فتنته، وقد حصلت اعترافات كثيرة في أوقات متفرقة على أن الماسونية أوجدت لخدمة أهداف اليهود الشريرة وتسهيل عملية استيلائهم على

(1/174)


عقول القادة وتحطيم نفوسهم وتحويلهم إلى عبيد يؤمنون بالماسونية ويكفرون بالله ويخونون أوطانهم ويبيعون أمتهم لصالح اليهود، وذلك لقوة انطلاء المكر الماسوني وشدة تأثيره على القلوب، بحيث كسبت أعظم وأكثر القادة من الشرق والغرب، وتغلغلت الماسونية في الأسر المالكة والطبقات الحاكمة في أوربا ومن دار في فلكها الثقافي في البلاد العربية.

ولهم طرق في خداع الشعوب إذا لمسوا فيهم الإحساس بخطر الماسونية أو الامتعاض من حكامهم المتهمين بها فإنهم حينئذ يوعزون إليهم بإغلاق أي مؤسسة افتضحت بالماسونية ليقيموا على أنقاضها مؤسسة تحمل اسماً آخر وهي في الباطن عين الماسونية، ليبرئ المسؤول نفسه من وصمتها ويكسب سمعة جديدة يقلب بها صفحة من نوع آخر لخدمة اليهود.

وقد جاء في قرار المؤتمر الماسوني المنعقد عام (1900 م) في باريس: أن غاية المؤتمر الماسونية تأسيس جمهوريات علمانية (تتخذ الوصولية والنفعية) أساساً للاتحاد الماسوني. ومن نتائجها القديمة:

1) تحريف الكتب المقدسة والعبث بتفريق الأديان والجماعات وإضرام نيران الحروب والعداوة بين الأمم.

ومن نتائجها في أول الإسلام:

2) عمل المؤامرة لقتل الخليفة الثاني.

(1/175)


3) اختلاق الأكايب على الخليفة الثالث وعماله.

4) تزوير المكاتيب وقلب الحقائق حتى جرى ما جرى.

5) العبث بعقول الأحزاب حتى انشؤوا فيهم الخوارج والنواصب.

6) نشر التجهم بفروعه المختلفة من جهمية ومعتزلة وقدرية وغيرهم هذا إلى جانب القرامطة والباطنية في نواح أخرى.

7) أكاذيبهم على الأمويين والتعاون مع الأعاجم على الإطاحة بهم حتى تسنى لهم ترويج هذه المذاهب وما عملوه في زمنهم من إبراز المختار الكذاب ونحوه كما ضبطه صاحب كتاب (تاريخ الجمعيات السرية

والحركات الهدامة في الإسلام) (الذي ينبغي إقتناؤه) ثم العمل على إضرام نيران الحروب التترية والصليبية وإبراز من يخدمها ويمد للغزاة سبيل الفتك كالنصير الطوسي وابن العلقمي وغيرهم على نصارى الشرق وإثارة النعرة فيهم ليتعاونوا مع إخوانهم الغزاة ضد المسلمين ويتجسسوا لهم ويدلوهم على كل طريق كما قرره قادة الغزو في ثنائهم على نصارى العرب، عكس ما يزعمه اتباع (جورج حبش) ونحوه من القوميين عن جهل أو تضليل.

(1/176)


ومن نتائج الماسونية أخيراً:

8) قيام الثورة الفرنسية على حكم الكنيسة الذي هو من أوضاعها المقصودة لإشقاء الناس ومحاربة العلم والمخترعين ليتم لهم ما يريدونه من حرب الدين واقتلاعه من النفوس حتى جروا أوغاد المسلمين بالتقليد إلى محاربة دينهم دون النظر إلى الفوارق العظيمة بين الدين الإسلامي ودين الكنيسة وطالما يستغلون عبث السياسة وتلاعب الموظفين تحت الاستبداد لنيل أغراضهم من الإسلام وأهله كأنهم إذا حكموا حولوا الدنيا إلى جنات الفردوس.

ولكون الماسونية تخدم أغراض اليهود وتعمل على إقامة دولتهم وتدعيمها فإنها لا تزال تعمل في إقامة الثورات المتواصلة التي تخسر فيها بلاد المسلمين رجالها وعلماءها وتتبدد طاقاتها وتضيع ثرواتها ويقل إنتاجها بتأميم مصانعها ومصالحها واستعباد أهلها بأفكار تضرهم وتنفع اليهود لأنها ملتقطة من مزابلهم.
وقد جاء في قرار المؤتمر الدولي المنعقد في (بروكسل) : يجب أن لا يغرب عن الأذهان أن الماسونية هي التي دبرت الثورة الفرنسية في محافلها لأجل تحقيق أغراضها ص 124 وجاء في محفل الكرسي الأكبر سنة (1922 م) (ص 281) : أن الماسونية التي لعبت أهم الأدوار في إشعال الثورة الفرنسية يجب أن تكون على أهبة الاستعداد للقيام بأية

(1/177)


ثورة منتظرة في المستقبل.

فعلى السائل والقارئ أن يعلما منشأ الثورات وحالة المتبجحين بها وأنهم ماسونيون أذناب اليهود. ثم يعلم السائل والقارئ من نفس اعتراف الماسونيين هذا؛ أنهم قد لعبوا دورهم الخطير في السياسة الأوروبية القائمة على أسس الاستعمار والعنصرية، ليعلما الفرق الشاسع بين خطتهم الآثمة وما يدعونه من مبادئ الإنسانية، وهاكم تعميماً لهم في مضابط المشرق الأعظم عام (1893 م) نصه هكذا (إن المشرق الأعظم يرى حفظ الأسرار من أهم واجبات الماسونية ويمنع منعاً باتاً كل النشرات المتعلقة بالأفعال والحركات.... إن كل شيء عندنا قد يسدل عليه ستار من السر وبقوة الوحدة والكتمان ننتصر في المعارك الفاصلة) فإذا كانت الماسونية تعمل لخير الإنسانية فما الداعي إلى التكتم الشديد؟

وهاكم قرارات أخرى تتعلق بتحطيم الدين، فقد نصت مضابط المحفل الماسوني الأكبر عام (1897 م) (ص 54) : لا يقبل المتدينون في المحافل الماسونية لأن الذي ينخرط في المحافل يجب أن يكون حراً والماسوني الحقيقي لا يكون متديناً وعلى الماسونية أن تتفق مع كل أولئك الذين لا يدعون إلى الدين أمثال الإشتراكيين والديمقراطيين ودعاة حقوق الإنسان والجمعيات المتحررة وعليها أن

(1/178)


تشترك في المجالات الأخرى للعمل كالجامعات الشعبية والمدارس السياسية والمؤسسات الأخرى. نشرت المشرق الأعظم عام (1903 م) (ص 300) وجاء فيه أيضاً (على الأخوان أن ينفذوا في صوف الجمعيات الدينية وغيرها، بل عليهم إن احتاج الأمر
أن يقوموا بتأسيس تلك الجمعيات على أن لا تشم منها أي رائحة حقيقية للدين. عليكم أن تلموا شمل قطيعكم أينما كنتم حتى في المعابد الصغيرة وعليكم أن تولوا أمورها السذج من رجال الدين ولتطعموا - حفية - ذوي القلوب الكبيرة من الرجال بقطرات من سمومكم. وبغية التفرقة بين الفرد وأسرته عليكم أن تنزعوا الأخلاق من أسسها لأن النفوس تميل إلى قطع روابط الأسرة والإقتراب من الأمور المحرمة فعليكم أن تنتزعوا أمثال هؤلاء من بين أطفالهم وزوجاتهم وتقذفوا بهم إلى لذائذ الحياة البهيمية) .

وهذا القرار من الماسونيين يكفي وحده للتدليل على مبلغ روح الهدم والكره التي يحملونها نحو المجتعات مما يخالف معنى الإنسانية التي يتشدقون بها إفكاً وتضليلاً.

فيا لها من يهودية تسعى في الأرض فساداً، وجاء في قرار مؤتمر محافل الماسونية عام (1884 م) يجب على الماسونيين الذين بيدهم زمام الأمور أن يأتوا بالماسونيين إلى سدة الحكم وأن يقربوهم من كراسيه وأن يكثروا من

(1/179)


عددهم فيه، وفي وسع الماسوني أن يكون مواطناً أو نائباً أو رئيساً بشرط أن يكون ماسونياً وعليه أن يستلهم الأفكار الماسونية، ومهما علت مكانته الإجتماعية فإنه يستوحي مذهبه من المحفل الماسوني لا من مكانته.
إن الماسونية هي سيدة الأحزاب السياسية لا خادمتها وإنها هي المنظمة الوحيدة التي تناهض الأديان والتقاليد. إن الجمعيات الرياضية والفرق الموسيقية وغيرها من المؤسسات التي تربي البيئة الناشئة عقلياً وجسمياً هي المرتع الخصب لنمو الماسونية فيها، ويمكن إضافة المكتبات والدورات وغيرها إلى ذلك (وقد أضافوها) وجاء في قرارات المؤتمر الماسوني العالمي المنعقد في باريس عام (1900 م) إن هدف الماسونية تكوين جمهوريات لا دينية علمانية إن من أهداف الماسونية محاربة الأديان وصيانة الدول اللادينية العلمانية ولذا فهي تستسيغ الارهاب بالتجرد عن مفاهيم الأخلاق والضمير، ويجب أن تكون الماسونية مرنة حسب الظروف والأوضاع.

إن النضال ضد الأديان لا يبلغ نهايته إلا بعد أن يفصل الدين عن الدول وستحل الماسونية محل الأديان وإن محافلها ستقوم مقام المعابد.

ليس هناك أي قانون سياسي أو ديني (يعني المسيحي ونحوه) إلا ونظمته المحافل الماسونية. وإن الماسونية هي

(1/180)


التي أقامت الثورة الفرنسية وعليها مواصلة تكوين الثورات الماركسية، وعلى الماسونيين أن يعلموا بالإشتراك مع العمال لأن الماسونية تملك القوى الفكرية وأن العمال يكونون عدداً هائلاً ويملكون القوى التدميرية، وباجتماع هاتين القوتين يتولد الإضطراب الإجتماعي.

إن الماركسية واللادينية وليدتا الماسونية لأن مؤسيسها (كارل ماركس. وانجلز) وهما ماسونيان من الدرجة الحادية والثلاثين ومن منتسبي المحفل الإنجليزي وهما من الذين أداروا الماسونية السرية وبفضلها أصدر البيان الشيوعي المشهور، وقد جاء في تعاليم الماسونية ما نصه (إن السيطرة على الشبيبة من أولى الغايات دعوا الكهول والشيوخ وتفرغوا للشباب بل حتى للأطفال.
لقد تيقن اليهود أن خير وسيلة لهدم الأديان هي الماسونية فإنها هي التي تزيف الأديان وتفتح الباب على مصراعيه لإعلاء اليهودية وانتصارها) هذه جمل قصيرة من قراراتهم نقلتها لإيضاح الحقيقة ولا يخفى أن الذين يدبرون دفة الماسونية هم يهود في جميع أنحاء العالم وهم المحركون. لأكبر ساسة العالم، وقد صرح السياسي الإنجليزي المشهور (بنيامين) سنة (1844 م) قائلاً: (إن الذين يديرون دفة السياسة في العالم ليسوا الذين هم في دست الحكم ظاهراً وإنما هم الذين يكمنون وراء الكواليس)

(1/181)


وصرح نابليون الثالث ملك فرنسا عام (1859 م) بقوله: (يجب أن لا نخدع أنفسنا، أن الدنيا تدار من قبل المنظمات السرية) ، وفيما أوردته كغاية للتعرف على خطر الماسونية وخدمتها للأغراض اليهودية وتلونها في الهدم والتخريب بشتَّى الطرائق ومن أراد مزيد الاستطلاع فعليه بمراجعة الكتب المتكلفة يكشف أسرارهم مثل كتاب (تبديد الظلام) لعوض الخوري وكتاب (أوقفوا هذا السرطان) للبستاني وكتاب (الماسونية) و (أسرار الماسونية) وكتاب (السر المصون في شيعة الطرمسون) إلا أن هذا الكتاب فيه أسماء شخصيات كثيرة قد انخدعت بدخول الماسونية ثم خرجت منها بعد تبين أمرها، فلا يجوز التعويل على ما ذكر فيه.

ومن المهم في هذا الجواب التنبيه على نوادي الروتاري فإنها من صيغ الماسونية اليهودية وعلاقتها بالنوادي المشبوهة الأخرى كالليونز - والكِوائي - والإكستث تنج وغيرها مما يقصد اليهود من تكوينها إيجاد خطط موحدة لأهداف تشخص إليها، ولهذه النوادي أنظمة خاصة تبعدها عن أعاصير السياسة وهم لصالح اليهود يعلمون في قلب السياسة فقد أسست إرتباطات حركية وتنظيمية تلتقي مع الجمعيات الماسونية لخدمة اليهود وأعوانهم ضد النازية حال الحرب العالمية الثانية وبعدها حتى إن منظمات الروتاري وجهت

(1/182)


أصحاب التخصص في الحركة لوضع خطط اقتصادية عالمية تظل معها دول المحور المهزومة محطمة اقتصادياً لمدة طويلة.
وفي سنة (1941 م) شكلت منظمة الروتاري (287) نادياً لهذا الغرض، ولم يهملوا حق دعوة بعض الطلاب من كل بلد كما بررت أن أهداف بريطانيا وفرنسا أهدافاً لها (يعني لليهودية العالمية) ، وأكثر ما تختاره نوادي الروتاري أصحاب المهن وتنص على أن رابطة العمل أقوى من رابطة الدين، بل تنص على إهمال الرابطة الدينية لتحمي اليهود الذين هم أكثر أهل الأعمال، وتخص الإسلام بالتهوين.

وقد تكرمت جمعية الإصلاح الإجتماعي في الكويت بإصدار كتاب صغير كشفت فيه حقيقة هذه النوادي من مراجع معتبرة فجزاها الله خيراً، لقد أرحاتنا بما كتبت عن التطويل وجعلتنا نكتفي بالإشارة، فنحض الشباب على قراءة هذه الرسالة، وأزيد القارئ تنبيهاً إلى أن "جمعية الاتحاد والترقي" مؤسسة ماسونية يهودية أقيمت للإطاحة بالسلطان عبد الحميد، أن الحكم بعده صار بيدهم وبيد المخدوعيين بهم والمؤتمرين بأمرهم والذي ذاق بعضهم القتل على أيديهم، وسأتحف القراء الكرام بذكر أسماء اليهود الذين ركزتهم الماسونية في أخطر النماصب العالمية الحساسة وأرقاها ليعرف القراء الكرام من هو المحرك الوحيد لمن يعتبره أكثر الساسة مرجعاً ويعتمد عليه وليطلعوا على مدى

(1/183)


الأخطبوط الرهيب الذي يجهله أو يتجاهله كثير أو قليل من أولئك والله الهادي.

ولما كانت مهمة الماسونية هدم الأديان سوى دين اليهود والقيام بتزييفها وطمسها من جهة ومن جهة أخرى العمل الدائب لإعلاء اليهود وانتصارهم ونفوذ كلمتهم فقد عملت الماسونية التي هي القوة الخفية على تركيزهم في المناصب الممتازة لأن غايتها القصوى تمكين اليهود من الاستيلاء على العالم فهي أساس أعمالهم.

وقد ركزت عدداً هائلاً من اليهود في عصبة الأمم سابقاً وهيئة الأمم أو مجلس الأمن لاحقاً كما دلت لى هذا مضابط المحفل الأكبر للماسونية.

وهاك أيها السائل المحترم والقراء الكرام أهم أسماء الأشخاص الذي ركزتهم الماسونية في أهم المراكز العالمية الحساسة:
1) هيئة الأمم المتحدة: في مكتب السكرتارية أهم شعبة فيه قد تمركز فيه اليهود.

2) الدكتور إج إس بلوك رئيس قسم التسلح، فلاحظوا مبلع الخطر يا أحبابي.

3) انتوني كولات. للأمور الإقتصادية.

(1/184)


4) أنس كارروز نبرغ: المستشار الخاص للشؤون الإقتصادية.

5) دايف وانتراوب: (رئيس قسم الميزانية

6) رئيس قسم الخزائن والواردات (كارل لاجمن)

7) معاون سكرتير الشؤون الإجتماعية (هنري لانكير) كل هؤلاء يهود.

8) رئيس قسم المواد المتبادلة (الدكتور ليون استبنك) يهودي.

9) رئيس قسم حقوق الإنسان (الدكتور شيكويل يهودي) فما أبعد الإنسانية عن نيل حقوقها من اليهود.

10) رئيس دائرة مراقبة البلاد غير المستقلة (إج أي ويكوف) يهودي ولهذا لا تحصل بلاد على استقلالها حتى يستكمل المسخ الفكري لأهلها من جهة وحتى يتسلم البلاد من المستعمر من يحكمها بأخبث من حكمه وأشنع ولو بتصارع جبهات لا يرتفع فيها إلا الذي يرضاه المستعمر خلفاً له كما جرى في كثير من البلدان آخرها (عدن) .

11) مساعد السكرتير العام لقسم الاستعلامات العامة بنيامين كوهين يهودي.

12) رئيس قسم الأفلام (جي بنيوت ليفي) يهودي فلا تستنكر ما تراه في عالم الأفلام من الخلاعة والمجون

(1/185)


وإثارة الغرائز وغلبة الوقاحة ما دامت الرئاسة لليهود.

13) مساعد السكرتير العام لشعبة القوانين (الدكتور إيفان كرو) يهودي ولهذا ينشؤ في كل بلدة من أبنائها من يحبذ القوانين الغربية ويسخر من الشريعة السماوية.

14) رئيس الشعبة القانونية (ابراهام إج فيلر) يهودي.

15) مشاور شعبة القانون الدولي (جي ساند برك) يهودي.

16) رئيس قسم المطبوعات (دافيد زايلود ويسكي) يهودي.

17) رئيس قسم المترجمين (جرجو رابنو فيج) يهودي.

18) رئيس قسم التصاميم (مرسيدس بركمن) يهودي.
فانظر أيها السائل وانظروا أيها القراء الكرام إلى مدى خطر هذا الموظف اليهودي الذي ركزته الماسونية في هذا المنصب لأن جميع طلبات الإنتماء لوظائف هيئة الأمم المتحدة تُقبل أو تُرفض من قبل هذا المدير بهذه المديرية وبلا شك يُقبل كل متقدم للوظيفة هنا من اليهود الخبثاء ويُرفض ما سواهم وبهذا يزداد عددهم في أخطر مؤسسة عالمية.

(1/186)


21) رئيس قسم المراجعات (الدكتور أي سنجر) يهودي وله تأثير أيضاً.

22) رئيس أطباء قسم الصحة العالمية (باول رادزر بانكو) يهودي.

23) رئيس قسم الاستخبارات لمركز جنيف (جرزي شيزو) يهودي.

24) رئيس قسم الاستخبارات لمركز الهند (بي ليكفر) يهودي.

25) رئيس قسم الاستخبارات لمركز الصين (هنري فاست) يهودي.

26) رئيس قسم الاستخبارات لمركز وارشو (الدكتور جولويس سناويسكسي) يهودي.

27) رئيس الأقسام الداخلية والدولية لهيئة الأمم المتحدة (دافيد - أي موريس) واسمه الحقيقي (موسكو فيج) يهودي.

28) مساعد لهذا هو (النمن) يهودي بولوني.

29) مساعد آخر (دايفيد زلباخ) يهودي أميركي.

30) مساعد ثالث للمذكور آنفاً (فينست) يهودي بلجيكي. هؤلاء يسيطرون على هذا القسم.

(1/187)


31) رئيس الأقسام الداخلية لمنطقة خط الاستواء (في. كبريل كارسز) يهودي.

32) مخابر بولونيا لشعبة الأقسام الداخلية (جان روزنر) يهودي. فانظروا مدى الخطر حيث الرؤساء المسيطرون على هذه الأقسام الهامة في هيئة الأمم المتحدة كلهم من اليهود.

33) رئيس شعبة التغذية والزراعة (اندري مايس) يهودي.

34) الممثل الدانماركي في شعبة التغذية والزراعة (أي بي جاكوين) يهودي.

35) الممثل الهولندي في شعبة التغذية والزراعة (إي فريس) يهودي.

36) رئيس شعبة التعمير (إم. إم ليمين) يهودي.

37) رئيس شعبة التعايش (كيروا كاردوس) يهودي.

38) رئيس شعبة المتفرقات (بي كاردوس) يهودي.

39) رئيس شعبة الاقتصاد التحليلي (إم. ازاكل حسقل) يهودي.
40) المشاور الفني لشعبة الغابات (جي بي كاكان) يهودي.

(1/188)


41) رئيس شعبة صيانة الغابات (إم أي هاربرن) يهودي.

42) رئيس قسم التغذية (جي مار) يهودي.

43) رئيس قسم الإدارة (إف رسل) . فهؤلاء عشرة رؤساء في أقسام هامة من تغذية العالم التابعة لهيئة الأمم كلهم من اليهود فيا له من خطر.

44) رئيس لجنة التبادل الخارجي لمنظمة اليونسكو للتعليم والثقافة (ألف سومر فيلد) .

45) رئيس لجنة تنظيم الثقافة العالمية (جي إترنهارد) يهودي. وهذان اليهوديان هما المحوران الأساسيان في شعبة التعليم والثقافة.

46) رئيس شعبة الثقافة العالمية (إم. لافهن) يهودي.

47) رئيس قسم الاستعلامات العام (إج كابلن) يهودي.

48) رئيس قسم الميزانية والإدارة (سي إج ويتز) يهودي.

49) رئيس شعبة الذاتية باليونسكو (إس سامول سيليكن) يهودي.

50) رئيس شعبة الإيواء والسياحة (بي أبرايسكي) يهودي.

(1/189)


51) رئيس مكتب الهيئة والتعيين (بي ويرمل) يهودي.

52) رئيس المصلحة الفنية لشعبة صحاري آسيا (الدكتور أي ويلسكي) يهودي. فهؤلاء تسعة ركائز كبار مترئسين في منظمة اليونسكو التي يعتمد عليها أدعياء العروبة تارة والإسلام تارة.

وإذا كان الرؤساء يهوداً من المفسدين في الأرض فكيف تتاح لمرؤوسين مهما كانت ديانتهم أو نياتهم؟.

53) المدير الاقتصادي لبنك الإعمار الدولي (ليونارد بي رست) يهودي.

54) الممثل الشيكوسلفاكي في مجلس شورة الإدارة (ليوبولد جيمله) يهودي.

55) عضو الشورى لمجلس الإدارة (أي بولاك) يهودي.

56) الممثل الهولندي في مجلس شورى الإدارة (أي إم جونك) يهودي.

57) الممثل الفرنسي في هذا المجلس (بي. منديس) يهودي.

58) ممثل بيرو في هذا المجلس (جي إم برنليس) يهودي.

(1/190)


59) سكرتير بنك الإعمار الدولي (إم. إم منلس) يهودي.

60) ممثل يوغسلافيا في مجلس شورى الإدارة (وي إبراموفيج) يهودي. فهؤلاء ثمانية متمركزون في بنك الإعمار الدولي بأهم المراكز.
61) المدير العام لمؤسسة صندوق النقد الدولي (كميل كات) .

62) معاون المدير العام (لويس آلتمن) يهودي.

63) مدير قسم التدقيق (إي إم برنستن) يهودي.

64) المشاور العام للمؤسسة (ليوليفا نفاك) يهودي.

65) المشاور الأقدم للمؤسسة (جوزيف كولد) يهودي.

66) العضو الشيكوسلوفاكي في هيئة الإدارة (جوزيف كولوهن) يهودي.

67) الممثل الفرنسي في هيئة الإدارة (بي. منديس) يهودي.

فهؤلاء تسعة ركائز من اليهود الخبثاء في مؤسسة خطيرة تعتبر العمود الفقري لهيئة الأمم المتحدة.

68) المدير العام لمؤسسة الصحة العالمية (أي زارب) يهودي.

(1/191)


69) رئيس قسم الطب (جي. ماير) يهودي.

70) المدير العام لقسم الجراحة (دكتور إم كودمز) يهودي. المؤسسات

71) مدير قسم إدارة الطب والمالية (إم سنسكل) يهودي.

72) رئيش الشعبة الفنية (زت دوستجن) يهودي فهؤلاء خمسة في مؤسة الصحة العالمية التي هي من أعظم المرافق متمركزون فيها.

73) رئيس اللجنة الداخلية في مؤسسة التجارة العالمية (ماكس لوننز) يهودي.

74) رئيس قسم الاستعلامات الدولية (إف سي وولف) يهودي.

فهؤلاء الذين ضبطت أسماؤهم منذ عشرين سنة تقريباً قد تمركزوا واحتلوا الصدارة في أعظم المؤسسات العالمية، وأخطرها وإذا كانوا قد بلغوا هذا العدد الهائل في أول وهلة فقد يتضخم عددهم ويتضاعف.

ثم إنه كان هؤلاء في الرئاسة والمناصب الحساسة فمن الضروري تركيزهم لما يريدون من اليهود والعناصر الخبيثة. وإبعادهم لكل عنصر طيب، وخفضهم رتبة كل من لا يعمل لصالح إسرائيل وهكذا، لأن تمركزهم في أهم المؤسسات

(1/192)


يشكل الكفة الثقيلة في ميزانهم.

وهذا أحد كبار المحررين لفرنسا ومن شخصياتهم البارزة الذين لهم باع طويل في القضية اليهودية وهو (نوزدين بين) يقول عن الثورة الفرنسية التي يقدسها بعضنا (باسم الانقلاب الفرنسي الكبير عام (1789 م) بتجويز تلك الأسس للإنقلاب المذكور يحكمنا اليهود اليوم.
إذ أن هذه الأسس في نفس الوقت تشكل أساس التكامل الروحي للكثيرين منا وهي أساس لحقوقنا الرسمية، كما طلبت في الواقع.

فهذه الأسس يهودية من حيث كيانها وأن هذه المفاهيم الخاطئة للحرية والمساواة وهذا الروح الخاطئ للثورة والإنقلاب لا يأتلف بأي وقت كان مع روح الدين والإيمان وبثقافة ذات عقيدة) .

وقالت صحيفة آرجوه اسرائليته بتاريخ (12 مارس 1908 م) : (عرف اليهود جيداً بأن الماسونية أحسن وسيلة لإمحاء الدين، الماسونية التي تحقّر وتزيّف الأديان وعقائد الشعوب الأخرى تفتح الطريق لنشر اليهودية وتعاليمها) .

وهذا رئيس (اليانس أونيفرسال اسرائيلت) وهو من مشاهير ساسة فرنسا والماسونيين ذوي النفوذ القوي (أدولف اسحق بريمة) يقول في الخطبة التي ألقاها في عام (1860

(1/193)


م) في افتتاح (اليانس) : (الاتحاد الذي نريد خلقه ليس بفرنسي أو انكليزي كما أنه ليس بسويسري أو ألماني بل إنه يهودي وعالمي. واجبنا عظيم ومقدس إذ يجب استيلاء المبدأ اليهودي على العالم فاطمئنوا إن النصر حليفنا مطلقاً، فإن الشبكة التي بثت في العالم من قبل إسرائيل أخذت بالتوسع يوماً فيوماً.

فستحقق وعود كتبنا المقدسة. فيقتضي أن نستفيد من كل الفرص التي تسنح لنا فلا نخاف من أي شيء حيث أن اليوم التي ستكون فيه جميع ثروات العالم ملكاً لبني إسرائيل ليس ببعيد - إذا تعمم تطبيق الإشتراكية) .

إن أهداف الماسونية ولدت من أعماق قلب اليهودية حيث أنها أسست من قبل (ملك سالاموف) ومعظم علاماتها أقتبست من معبده ومعظم كلماتها ورموزها مقتبسة من اللغة اليهودية وقالت صحيفة (تريبونال جيوف) ومنظماتها المستقلة تحرز الموقع الأول بين المنظمات اليهودية إنها أسست في عام (1843 م) في نيويورك، ولا تزال أقوى منظمة يهودية في أميركا وتمثلها محافل كثيرة في أوربا الشرقية.
وقال المعلق: وهذه الجمعية، بمنظماتها الكثيرة في أمريكا وأوربا الشرقية الشيوعية هي التي ساقت أمريكا والحزب الديمقراطي فيها للتدخل في قضية فلسطين، وهي التي دفعت

(1/194)


يهود بولونيا ويوغوسلافيا وغيرها إلى الهجرة والتطوع يحملون أفتك الأسلحة وهم متفننون في أنواع الإرهاب حتى أنشؤوا إسرائيل وفتكو بالعرب عام (47 و1948 م) .

وقال حاخام فينا (زت بي جبس) أحد أعضاء محفل (ماسادوك) التابع لجمعية (بني ريت) في الخطاب الذي ألقاه بتاريخ (1922 م) : (إنه يوجد في الدنيا - أمبرياليزم - امبراطورية وحيدة لا تخاف من أي شيء ولا يمكن دحرها فهي سلطتنا فقط.

فنحن نتقدم نحو أهدافنا بخطوات وطيدة دون أن يعوقنا مانع وأخيراً قد حان وقت فرض القوانين المالية السرية لليهود والتي نسميها (فيتانس العالية) على العالم بصراحة حيث أن المالية اليهودية ليست بوارثة الامبراطوريات والملوك فقط بل إنها وارثة الدنيا بأجمعها.

إن سياسة الحسنى مع اليهود هي المحبذة فقط وبفضلها يمكن الاحتفاظ بالمراكز، فيجب أن تكون فاجعة الروس راغماً لثورة البلشفية التس أحدثها اليهود في روسيا) .

موعظة كبيرة لكل واحد، وأن لا تنسى الحكومات الحديثة وكل الدول في الدنيا هذا الـ (ميما نتوموري) ، معناه رمز الموت وهو عبارة عن هيكل عظمي متكون من العضد والجمجمة.

(1/195)


وفي قرارات مؤتمر المشرق الأعظم عام (1923 م) (ص 285 وص 99) ما نصه (إن النضال بين الرأسمالية والطبقة العاملة آخذ بالازدياد في مختلف مناحي الحياة، وعلى الماسونية أن تختار بعزم وتصميم أحد طرفي النضال، يجب العمل على تأميم كافة الصناعات بشتى الوسائل والطرق) .

وبعد:
فهذه عجالة مختصرة عن الماسونية التقطتها من مصادرها الحقيقية واضعاً فيها النقاط على الحروف ليعلم السائل والقراء الكرام مدى خطرها والفرق الهائل الشاسع بين خطتها وما تدعيه من خدمة الإنسانية، وإنها إن كانت تخدم الإنسانية كما تزعم فإنما تخدم الإنسانية اليهودية فقط وتهدم ما سواها كما يبصره كل مبصر ولا نجاة للإنسانية الحقة إلا التذرع بتقوى الله {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ... الآية}

نهاية الكتاب
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

(1/196)


 

Twitter

Facebook

Youtube